إن التسربات الحاصلة في شبكات المياه العمومية بالمدن تقع تحت مسؤولية الجهات المختصة مثل شركة المياه الوطنية وليست موضع حديثنا اليوم، أما تسربات المياه داخل شبكات المنازل فهي ما سنتطرق إليه في هذا المقال، فهي بحاجة لتسليط الضوء عليها بشكل أكبر لكونها لا تسترعي الانتباه، ولا نلقي لها بالا في الغالب اعتقادا بأنها ليست ذات تأثير يذكر، بيد أنني سأوضح بالأرقام المستندة لأبحاث ودراسات بعض الجهات المعروفة أنها ليست كما يظن الكثير، بل تشكل فاقدا في كميات المياه المنتجة من محطات التحلية لا يستهان به ولا يستفاد منه في شيء، فضلا عن باقي الأضرار التي تتسبب بها على أساسات المنزل وهبوط أرضياته، وقد تشكل عبئا إضافيا على فاتورة المستهلك غير المستفيد من هذه المياه المهدرة.
فقد نشرت وكالة حماية البيئة الأميركية بأن بلدا مثل الولايات المتحدة الأميركية تعاني من تسربات المياه داخل شبكات المنازل تقدر بتريليون جالون سنويا، أي بما يعادل الاحتياج السنوي من المياه لأحد عشر مليون منزل بناء على معدلات استخدام الفرد في الولايات المتحدة، ومعظم هذه التسربات تكون إما عن طريق الحنفيات أو شطافات الاستحمام والغسيل، والنصيب الأكبر يكون عن طريق صناديق الطرد (السيفونات)، ومما يدعو للدهشة أن قطرات الماء التي تقطر من الصنبور بمعدل نقطة ماء كل ثانيتين توازي هدرا سنويا يصل إلى أكثر من ألف جالون (4 أمتار مكعبة تقريبا).
في نفس الصدد، أشارت منظمة «Alliance for Water Efficiency» الأميركية، وهي منظمة غير ربحية تعنى باستخدام المياه ومقرها شيكاجو بالولايات المتحدة الأميركية بموقعها الإلكتروني إلى أن نسبة 20 - 35% من دورات المياه بالمنازل بها تسرب تصل نسبته بالمنزل الواحد بالولايات المتحدة إلى أكثر من 11 ألف جالون سنويا، وأكثر مواقع التسرب بهذه الدورات هي صناديق الطرد، وخلصت إلى أن مواقع التسرب بهذه الصناديق تعود إلى الأسباب الآتية:
-1 أن يقوم عامل السباكة بضبط العوامة الداخلية أعلى من اللازم، وبالتالي فإن الصندوق يمتلئ باستمرار دون أن نشعر فيتم تفريغ الماء الفائض عن طريق أنبوب الطفح ومنه إلى الكرسي.
-2 أن تكون العوامة الداخلية للصندوق تالفة، وبالتالي يبقى الماء متدفقا من أنبوب الضخ باستمرار.
-3 أن يكون صمام الضخ قديما وصدئا ومهترئا، وبالتالي لا يقفل أبدا.
وهنالك أيضا التسربات التي تحصل من الخزانات المنزلية التي يهملها الكثيرون ولا يقومون بعمل أي صيانة لها، ولا يعلمون ما إذا كان بها تسرب أم لا في ظل عدم وجود شركات صيانة مؤهلة بشكل كاف للكشف عن تسربات هذه الخزانات، وتزداد فرص هذه التسربات في حال وجود أحواض سباحة ومرشات سقي المزروعات، حيث تشير الدراسات إلى وجود تسربات في كل حوض سباحة من بين عشرين حوضا.
وبالنظر إلى هذه الأرقام التي أوردتها أعلاه فإننا يجب أن ننظر بشكل مغاير لقطرات المياه المتسربة، وأن تكون لدينا قناعة ويقين بأن هذه القطرات تصنع على مر الأيام هدرا كبيرا لا يستهان به، خصوصا أننا كبلد يعد الأكثر ندرة على مستوى العالم في مصادر المياه الطبيعية، وأن نبادر جميعا إلى إصلاح هذه التسربات الداخلية، فهي مطلب وطني وأخلاقي تجاه مقدرات الوطن قبل أن تكون مطلبا لأصحاب البيوت، يسهم بشكل نسبي في خفض فواتير المياه، ولعلنا نتطرق في قادم الأيام لبعض الطرق البسيطة في كشف هذه التسربات بشكل فردي دون الحاجة إلى اللجوء لمؤسسات الصيانة.