يستفهم كثيرون عن أسباب عجزنا وعدم قدرتنا كمسلمين على رسم صورة مشرقة للإسلام في المجتمعات الغربية، وتعرض معظم الاجتهادات والأعمال الساعية إلى ذلك على الرغم من كثرتها للانهيار مع أول حدث سلبي يخدش تلك المجتمعات، وهذا السؤال على اتساعه وحجم مسؤوليته إلا أن الإجابة عنه ممكنة جدا في ضوء ما يتيحه لنا الاطلاع على العالم من حولنا، والتمعن في بعض جوانب تحركنا وخطابنا الدعوي.

إذ تتشارك -من وجهة نظري- العديد من الجهات في مسؤوليتها عن هذا الأمر الذي بات مقلقا جدا في السنوات الأخيرة، ولا يمكن بأي حال توجيه إصبع الاتهام لطرف منها دون الآخر، فهناك المنظمات والمؤسسات التي تتلقى دعوما مالية لا تنقطع ولها برامجها -بحسب ما تعلن عنه سنويا- من إنجازات مقدمة على الأوراق، وهناك الجماعات الإسلامية في الدول الغربية، وهناك المحاولات الفردية الخاطفة لعدد من الدعاة، ينتهي بعضها عادة بفلاشات وخطب منبرية، وهناك المبتعثون وما يعكسونه من صورة عن الإسلام والمسلمين من خلال تصرفاتهم، وهناك السياح الذين يقصدون المجتمعات الغربية للاستجمام والتنزه، وهناك المجتمعات الإسلامية نفسها وطبيعتها وتنظيمها واهتماماتها وطريقتها في العيش والتفكير، وهناك الإعلام بكافة وسائله.

عبر هؤلاء جميعا تنعكس صورة الإسلام لدى الآخر، الذي تتشكل لديه الصورة البدائية الأولى للإسلام، وهي الصورة الضعيفة والمشوشة التي يبني عليها لاحقا قراراته وتفكيره عن الإسلام والمسلمين، وله كل الحق في الوصول إلى النتيجة المرتبكة، لأننا منذ البدء لم نحسن اختيار الرموز الصحيحة لإيصال رسالتنا إليه، ونكون حينها قد فشلنا فشلا ذريعا من الخطوة الأولى في الوصول إلى عمق عقل ووجدان الإنسان الغربي الذي قرأناه خطأ ثم فصلنا له الثوب من خلال تفكيرنا نحن لا من خلال طريقة تفكيره هو!

إن أهم عامل لفشل أعمال كثير من المنظمات والمؤسسات والجماعات الإسلامية الدعوية يظهر في إهمالها الدراسات العميقة لتلك المجتمعات وطريقة تفكيرها وعلاقتها بالاهتمام بما ستقدمه، مكتفية بالفكر العتيق القائم على الأسلوب الدعوي الخطابي المنبري المغرق في الإنشائية كعادته، وهو الأسلوب الذي يمكن أن يكون مؤثرا في أوساط المجتمعات الناطقة بالعربية التي تدين بالإسلام أصلا، وهي المجتمعات التي ما زالت معجبة بالثقافة الخطابية في تقديم أشيائها والتعبير عنها بتلك النمطية على الرغم من اطلاعها بشكل ما على العالم من حولها!

نحن في الغالب نعتمد على ردة الفعل النفسية لدى الإنسان الغربي، معتقدين أن ذلك يحقق أهداف الرسالة، وهو خطأ فادح نقع فيه باستمرار، فمثلا إسلام عدد كبير من ذوي البشرة السوداء في أميركا لم يكن بسبب الاقتناع بالإسلام كدين نتيجة قراءات ومعرفة عميقة به بقدر ما هي ردات فعل أنتجها إحساسهم بالمظلومية والتمييز العنصري في محطات كثيرة، ويبرز أكثرها وضوحا في إسلام الملاكم العالمي محمد علي كلاي، رحمه الله، ومالكوم إكس وغيرهما من الرموز، لأن ما حدث لم يكن نتيجة ظلم الدين المسيحي لهم، بل بظلم المجتمع الذي تبنت داخله بعض الجماعات الدينية والعرقية مفهوم التمييز والعنصرية، وضغطت على الدولة لجعله من ضمن قوانينها سابقا.

واعتمادنا على هذه النماذج كمثال على نجاح العمل الدعوي في إيصال الرسالة يكشف مدى هشاشة تفكيرنا ومعرفتنا بالآخر إلى حد بعيد.

فالعقل الغربي لا يرى الدولة من خلال الدين كما يسوق لذلك العقل والثقافة الإسلامية عند كثير من الجماعات الإسلامية، لأن ذلك يأتي في سياق الإسلام السياسي الذي يرى الدولة من خلال الدين بإيمان تام. وبات الإنسان الغربي في العصر الحالي يرى الدين فرديا لا علاقة مباشرة له بالدولة، وهذا أساس ثقافته ويومياته التي يبني عليها رؤيته، والمجتمعات الغربية لا تراهن أبدا على طريقة عيشها ونمطها، ولا تقبل المساس بمنجزها الإنساني، وإذا أردنا الوصول إلى وجدانها فعلينا أن نخاطب عقلها أولا وقبل كل شيء، من خلال تقديم نماذج تطبيقية للإسلام المتسامح المرتب على مستوى الفرد في مجتمعاتنا أولا قبل أن نذهب ببضاعتنا مشوشة إلى الآخر.

ربما أجد عذرا لضعف وفشل كثير من المحاولات الفردية وتبنيها مثل هذا الأسلوب، لكنني أعجز عن إيجاد عذر للمنظمات والمؤسسات ذات الميزانيات الضخمة التي يحظى كثير منها بدعم دولي أيضا، وأعجز عن فهم نمطية تنفيذها لمشاريعها الدعوية، إذ إن ما يصلح لمخاطبة القارة الإفريقية مثلا لا يصلح قطعا للقارة الأميركية، فالأولى يحتاج فيها الإنسان إلى لقمة العيش بشكل كبير، والأخرى يحتاج إنسانها إلى الإقناع العقلي المنطقي. رتب بيتك أولا قبل أن تقدم نصائحك لترتيب بيوت الآخرين.

حين تذهب الحملات التنصيرية إلى المجتمعات الفقيرة فإنها تخاطب البطون وتعمل على إشباعها وتحسين مستوى اقتصادها الصغير على مستوى الفرد باسم المسيحية، وحين يذهب بعض دعاتنا فأول ما يفعلونه هو اعتلاء المنابر وسرد الأحاديث، صحيحها وضعيفها، والتقاط الصور، والمسافة بعيدة بين الحركتين.