خالد آل تركي



بقدومك يا حبيبي قد بشَّر عيسى عليه السلام، بميلادك يا حبيبي تساقطت الأصنام، ببعثتك يا حبيبي تحرَّر الناس من عبادة الخلق إلى عبادة رب الخلق، أدَّيت الأمانة يا حبيبي، فكمُل الدين(اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا)، من أجلك يا حبيبي خفَّف الله عذاب عمك أبي طالب، لن يشفع للعباد يوم القيامة غيرك يا حبيبي، يوم يأتون إليك طالبين الشفاعة فتقول لهم: (أنا لها أنا لها)، فيجيبك الرب جلَّ جلاله: (يا محمد ارفع رأسك، وقل يُسمع لك، وسل تُعطَ، واشفع تُشفَّع). بأبي وأمي أنت يا رسول الله، بأبي وأمي أنت يا من قلت: (وددت أنَّا قد رأينا إخواننا)، فقال الصحابة رضي الله عنهم: أولسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: أنتم أصحابي، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد)، ما أرقَّ قلبك! وما أعظم حبك!

سالت دموع أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ من ألم سُم الحية التي لدغته عندما كان رأسك يا حبيبي على فخذه، فتحمَّل أبو بكر الألم حتَّى لا يُعكِّر صفو نومك! أي حُبٍ هذا! كيف استطعت أن تأسر قلوبهم!؟ حتَّى الجذع حنَّ إليك، ولم يسكت حتى احتضنته!

مرَّت بك يا حبيبي جنازة أحد اليهود محمولة على الأكتاف، فوقفت لها احتراماً لإنسانيته، فتعجَّب منك بعض الصحابة! فما كان منك إلا أن قلت لهم: (أليست نفساً)!

ما أعظمك! ما أنبلك! ما أجملك خُلقاً وخَلقاً! ما أروعك ظاهراً وباطناً!

كيف لا؟ وربنا يصفك في كتابه العزيز: (وإنك لعلى خُلقِ عظيم)،

كيف لا؟ وربنا يقول عنك: (فبما رحمةٍ من الله لنت لهم، ولو كنت فظًّا غليظ القلب لانفضُّوا من حولك).

أتاك يا حبيبي أحدهم يريد أن تأذن له بالزنى! فمسحت عليه ودعوت له.

وقف أمامك لأول مرة أحد الرجال فارتعب من هيبتك ومهابتك وجمال مُحيَّاك، فهدَّأت روعه قائلاً: (هوّن عليك، فإني لستُ بملك، إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد).

أتاك كعب بن زهير معتذراً عمَّا بدر منه من إساءة إلى الإسلام مُبتدئاً قصيدته بالغزل:

بانت سعاد فقلبي اليوم متبول...متيم إثرها لم يفد مكبول

فلم تنهه، وجعلته يُكمل قصيدته!

أتاك ملك الجبال بعد خروجك من الطائف عندما رفضوا دعوتك وأخرجوك منها قائلاً: (إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين)، فقلت له: (بل أرجو أن يُخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا).

الأم التي فقدت ابنها وعندما وجدته ضمته إلى صدرها وهي تبكي بُكاء مريراً!

فبكى الصحابة وهم ينظرون، فالتفتَّ إليهم قائلاً: (الله أرحم بعباده من هذه بولدها). من قال إن محمدا قد مات سأقطع رأسه! قالها ابن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ الذي كان في يوم من الأيام من ألدِّ أعدائك!

كيف محوت مشاعر العداء في قلبه، وحوَّلتها إلى مشاعر الحب بل العشق!

يا أعظم من وطئت قدماه الأرض! يا من جعل الله حبك مُقدَّماً على حب النفس والمال والولد وكل شيء! يا من صلَّى عليك الله، وأمر ملائكته وعبيده أن يصلُّوا عليك، ويعطيهم عشر صلوات إذا صلَّوا عليك مرةً واحدة!

سألك أبو أمامة ـ رضي الله عنه ـ كم أجعل لك من صلاتي؟ فأجبته      يا حبيبي، حتى قال أبو أمامة: (أجعل لك صلاتي كلها)، فقلت له: (إذًا تُكفى همك، ويُغفر لك ذنبك).

أعلمُ يا حبيبي أن مئات بل آلاف الحروف والكلمات لن توفيك حقك! ولا تساوي أصلا مجرد قطرة دم سالت منك، ولا دمعة واحدة انسكبت من عينيك! ضحَّيت وعانيت من أجلنا، بكيت شوقاً لرؤيتنا، وُلدت يتيماً، وعشت فقيراً، صلَّى عليك الله عدد ما ذكرك الذاكرون، وعدد ما غفل عن ذكرك الغافلون.