نورة مروعي



منذ أيام وأجواء المعلمين والمعلمات بل وزارة التعليم برمتها تمر بموجة وبرياح وزوابع رعدية مصحوبة بوابل من التهم المتبادلة بين طرفي نزاع، كاتب كان في يوم من الأيام ضمن أكبر شريحة تعمل في الدولة «قطاع التعليم» غادرها غير آسف عليها وبين منسوبي نفس القطاع ما زال بعضهم في الميدان وبعضهم نسي صولات وجولات الميدان ومنح شرف الترف والنعيم في مكاتب التعليم بصفات قيادية متعددة واكتفى بالتنظير إما داعما للكاتب وإما ساخطا يكيل التهم بدوره لمن تطاول على جناب وزارة مهيبة تحمل عبء مخرجات دولة في جميع القطاعات. والطرف الثالث «المنسي» الأسرة التي تجاهل الكاتب دورها كليا من هذه «الأزمة» واللوث الفكري الذي تحدث عنه في سلسلة من التغريدات والمقالات، وكأن الطالب كائن نزل علينا من الفضاء والمعلم مسؤول عن تربيته وتعليمه وتدريبه. وأجدني تائهة بين الأطراف الثلاثة «معلمة استنفدت طاقتها واستهلكت في ميدان التعليم ذقنا خلالها كل أشكال وأصناف الابتزاز الوظيفي والاستفزاز المهني، بعضنا آثر العمل في إطار» «ربط الحمار مطرح ما صحبه عايز»، و«بمبدأ العبد المأمور»، وبنظرية «لا أرى لا أسمع لا أتكلم»، والبعض الآخر دافع عن قيمه ومبادئه كتربوي ناظر وناقش واعترض وأبدى رأيه وناضل من أجل التطوير والتغيير، ولكنه إن لم يلجم بلجام الصلاحية فإنه يلجم بلجام التهم التي تطاله في عقيدته ووطنيته.

في مدارس اعتقد الكاتب أن المعلم يملك قرار التغيير أو التطوير فيها متجاهلا أن قادة وقائدات المدارس ومشرفي ومشرفات التعليم هم من يملكون وحدهم الصلاحية، وما المعلم إلا أداة لتحقيق وتنفيذ رؤية قائدي وقائدات المدارس، ولا أبالغ في ذلك عندما أقول إن بعض قيادات التعليم يعتبرون النشيد الوطني المصحوب بالموسيقى مخالفة شرعية، وإن الاحتفال باليوم الوطني ما زال أمرا خلافيا يطرحون مثل هذا التساؤل هل يعتبر عيدا أو ذكرى وطنية غالية؟ بل إن بعضهم يعتبرون نشيد «فوق هام السحب» منكرا، إذا صاحبت احتفالا يؤدي لانسحاب بعض مشرفات التعليم من ساحة الاحتفال بالمدرسة بحجة أن الموسيقى محرمة.  أضف إلى ذلك ما تعانيه المعلمة من الابتزاز الوظيفي من خلال إجبارها على صرف جزء كبير من راتبها لإرضاء قائدة المدرسة من أجل الحصول على أداء وظيفي يؤهلها للحصول على وضع وظيفي أفضل مستقبلا أو لتحقيق رغبتها في النقل الخارجي أو الداخلي.

وعلى سبيل المثال عندما تساوم قائدة مدرسة معلمة مغتربة على أدائها الوظيفي وتجبرها على دفع مبالغ مالية كبيرة لتجهيز دور كامل في المدرسة للاحتفال بالجنادرية أو باليوم العالمي للغة العربية أو غيرها من المناسبات فالمعلمة أصبحت الحلقة الأضعف تحت هذه الضغوط النفسية والمادية والاجتماعية، فكيف نثق بقائد وقائدة بهذا الفكر ونستأمنه على تربية أبنائنا فينمي فيهم من خلال معلمهم أو معلمتهم استغلال الصلاحية والابتزاز الوظيفي، وكيف لنا أن نتخيل العطاء في الفصول الدراسية!

وفي ظل كل هذه الضغوط أجد صوت الإعلامية بداخلي يصرخ ويحاسب المعلمة التي رضخت وتنازلت أو تخلت عن كثير من قيمها ومبادئها لتجنب الدخول في صراعات مع قائدتها أو إدارتها من منطلق مبدأ «من خاف سلم» لمرور عامها الدراسي بسلام. ويعود صوت الأم في داخلي ويعلو «على صوت المعلمة والإعلامية رافضا ومعترضا على ما يعانيه أبناؤنا من اضطرابات سلوكية وفكرية، فالقيم التي ولدنا ونشأنا عليها تتبدل بمجرد التحاق أبنائنا بمقاعد الدراسة» نحن ولدنا مسلمين بالفطرة ـ فمنذ السنوات الأولى أطفالنا يلحقون بآبائهم لأداء الصلاة في المسجد وتلبس الطفلة لباس أمها مقلدة أداء والدتها للفريضة، ويحمل الصغير من أبنائنا القرآن الكريم ليرتل بلسانه ومخارج حرفه الضعيفة، وهو لم يلتحق بعد بمقاعد الدراسة ويتغنى بالأناشيد الوطنية ويتمايل عليها طربا وحبا للوطن، ويحرص على ارتداء اللون الأخضر في اليوم الوطني، ويشارك في الاحتفالات ويردد أسماء حكامنا بحب وولاء، وهو لا يعرف من الوطن غير حضن أمه التي تحكي له قبل نومه أقصوصة بريئة، ولا ننسى أن تلقنه قبل نومه بعض الآيات القرآنية والأدعية المأثورة لتحفظه -بإذن الله- أثناء نومه.

فمن ربى في أبنائنا التطرف ومن علمهم خيانة الأمانة، ومن علمهم عدم احترام النظام، ومن لقنهم دروسا في العبارات الدخيلة على ديننا وأخلاقنا ومجتمعنا، ومن شوه غرسنا الذي غرسناه!.. تساؤلات تدور في رأسي «أنا الأم» وعجزت المعلمة المخلصة في داخلي عن الإجابة وتلعثم قلمي الإعلامي المناضل في الرد على هذه التساؤلات، ولكن من حقي كأم الاحتفاظ ببراءة طفلي «غلب وتغلب» على كل المشاعر، فما حاجتي بطالب مهتز سلوكيا وقائد مدرسة مبتز ومعلم مغلوب على أمره.  لنكن أكثر واقعية في نقاش مشكلاتنا وجديين أكثر في وضع حلول لها، والحلول لا تأتي بالإسقاطات والتهم، «فالعملية التعليمية التربوية تكاملية»، أبوان مؤهلان يغرسان قيما، ومعلم يعزز غرسهما، وإمام مسجد يوجه، ومجتمع يطبق هذه القيم، فأين نحن من ذلك كله؟