شهد مساء الثلاثاء السادس والعشرين من سبتمبر عام 2017 من الميلاد قرارا ملكيا تاريخيا سمح فيه بقيادة المرأة السعودية للسيارة، هذا القرار الذي طال انتظاره، لا لأهميته الاستثنائية وحسب، بل لرمزيته العالية في مسار تمكين المرأة من شؤونها أيضا، ومنحها حقوق المواطنة الكاملة مثل الرجل شقيقها وشريكها في الحياة. فبعد أن كانت المرأة تشتري السيارة وتتحمل أقساطها وتسلمها لسائق غريب قد يكون ممن لا يقود أصلا في بلده، فيعمل على تكسيرها والقفز بها  بين الأرصفة وتسكت هي مرغمة لتقضي شؤونها ستجلس الآن في المقعد الأمامي وتقود سيارتها باقتدار كما تقود الحياة. هذا القرار ليس ملزما للجميع، بل هو اختياري، وستختار كل أسرة ما يناسبها مثل كل الأسر الأخرى في أنحاء العالم.

 مر هذا القرار بدراسة طويلة كأي قرار يمس البيت السعودي، وأنصفت القيادة في الوطن أبناءه المخلصين ذكورا وإناثا من أولئك الذين يعتقدون أنهم يملكون صك وصاية على الجميع.

صمتت أخيرا تلك الحناجر التي اُبتلينا بصراخها ليلا ونهارا اعتراضا على مظاهر الحياة لتكشف لنا وسائل التواصل وجودهم في طرف آخر من هذا العالم، وهم يعيشون ما ينهون عنه بيننا باستبسال حتى النخاع، دون أن يروا بأسا في تناقضاتهم وأمراضهم. هذه الفئات موجودة بيننا للأسف، لكن واقع وجودهم لا يلغي حق المرأة في الوصول والحصول على ما حصلت عليه مثيلاتها في كل أنحاء العالم. ولا حق المجتمع في النمو الطبيعي في اتجاه المواطَنة العالمية فلا يصح أن نبقى خارج الخارطة العالمية فيما يخص المرأة بسبب كومة من الحديد. إغلاق هذا الملف المعلق سيسمح بالالتفات لما هو أولى منه بجهودنا.

أعرف أن البعض لا يعتبر القيادة ضرورة ولا أولوية، لكن انخفاض موقعها على سلم أولويات شخص ما لا يلغي وجودها على سلم أولويات شخص آخر واحتياجه لها، والأولويات في أي مجتمع كما ذكرتُ في مقال سابق هي شبكة متداخلة وليست سلّما نصعده درجة درجة.

للأمانة أود لو جرّب المعترضون من الرجال والنساء المستغنيات شعور من تضطرها ظروفها العملية أو الاجتماعية للتنقل عبر تطبيقات أوبر وكريم! إن التواجد في سيارة مختلفة مع سائق غريب كل يوم باختصار أمر مزعج وغير مريح، ولا أبالغ إن قلت مهينا، خصوصا بعد تجربة طويلة نسبيا في الاستغناء عن السائقين.

الحمد لله الذي يسر لقيادتنا الرشيدة إنهاء هذا الجدل بقرار يحترم إنسانية المرأة واحتياجاتها وحقها في التنقل ودورها كشريك في التنمية والحياة والوطن، سعادتي لا توصف لأن بناتي وطالباتي لن يحتجن لاختراع المبررات للإجابة عن سؤال (لماذا لا تقود المرأة السيارة في السعودية؟)، بل لن يواجههن هذا السؤال أصلا في المستقبل بحول الله، حان الآن موعد الإقبال على الأسئلة الأهم في هذه الحياة، وحفظ طاقتنا المهدرة في نزاعات جانبية عفا عنها الزمن.