من أصعب الأطياف التي تعاملت معها في حياتي (كلها): بعض مديرات المراكز التعليمية والمدارس الحكومية التابعة لإدارة التعليم في محافظة جدة!

أقول ذلك في اللحظة التي أدعو فيها السميع العليم، ألا يكون هذا المشهد (الفض) متكررا في إدارات تعليمية أخرى من بلادنا، خاصة أن مثيلاتهن في الإدارات الأخرى، هن ذاتهن: بنات هذه البلاد الكريمة!

بجد.. لا أعرف تفسيرا يمكن به تبرير تلك الجدران الصماء الصلدة التي أحطن بها تلك المديرات أنفسهن عن لقاء أمهات الطالبات، أو الإنصات للمراجعين من آبائهن، عندما لا تستطع الأمهات الذهاب بأنفسهن، لظروف (ربما) تكون غالبا قاهرة! وعندما أقول (مديرات) فإني أقصد مديرات المدارس أو مديرات مراكز (الإشراف) في المدينة اللاتي حفزنني لكتابة المشاهد الآتية:

(1) الذي يريد أن (يتملك) مسكنا، فعليه قبل أن يقترف هذا الفعل، أولا أن يفكر ألف مرة بالطريقة التي تتعرف بها زوجته على مديرة المدرسة التي ينوي -أو بالأصح: يتحتم عليه- تسجيل بناته في مدرستها! ويجب ألا تسول له نفسه محاولة القيام بنفسه بذلك، حتى لو فقد زوجته -لا قدر الله لأي سبب كان- فلن يجد رقم هاتف المدرسة (الذي لا يرد أبدا)، ولن تجيب عن اتصالاته السيدة المديرة فيما لو حاول أن يقترب منها عن طريق (التلفون) الذي في غرفة حارس المدرسة، ولن يوافق الحارس بالتوجيهات العليا أن يتكرم عليه برقم هاتفها الخاص.. كل ذلك -فقط- من أجل أن يقول لها: «أنا بيتي أمامكم.. أريد ورقة قبول لابنتي»..!!

ليس أمامه في هذه الحالة إلا الاستنجاد بأحد الجيران الذي ربما تكون زوجته على علاقة قربى من المديرة.. أو لعل الحارس العتيق، لديه طريقة يستحضرها في اللحظة النادرة التي يتعاطف بها مع ذلك الأب المغلوب على أمره، أو عليه البحث عن مركز الإشراف التربوي، التابعة له هذه المدرسة، ومن أين له معرفة اسم ذلك المركز؟ قبل الشروع في معرفة مكانه داخل المدينة المتسعة!!

(2) عندما تكون ابنتك من الطالبات المتفوقات فضع في ذهنك بكل تأكيد، بأن مديرة المدرسة لا تعرف ولن تعرف هذا الأمر من قريب أو من بعيد، فعندما تأتي الفرصة لابنتك بالاشتراك في مسابقة عالمية أو الانضمام إلى مركز

أو ناد علمي، ويطلب منها أن تأتي بورقة تعريف أو توصية (أو شيء من هذا القبيل) من مديرة المدرسة، فتأكد -رعاك الله- أن المديرة ستكون في واد، وابنتك في واد (بعيييد) آخر، ولن تحصل على تلك الوريقة بسهولة، فضلا عن أن تحتفي بها وتشجعها وتمنح لها شهادة تقدير، وربما انقضى زمن المشاركة وابنتك داخل الفصل لا تعرف لمديرة المدرسة شكلا أو مكتبا أو طريقة لتواصل (حتمي) يمكن أن يحدث!

(3) أما علاقة مديرة المدرسة بالمعلمات فهي -غالبا- العلاقة إياها بالطالبات. ذهنية المديرات هنا هي ذهنية الوصية والمفتشة والمحاسبة التي ليس عليها سوى ضبط حضور وعمل المعلمات (العاملات) عندها فحسب! أما الذهنية التعليمية التربوية التي تحتفي بمبدأ المشاركة والتفاعل وعمل الفريق الواحد وهاجس إنتاج مخرجات تعليمية إبداعية بروح الجماعة المتوادة المتعاونة، فتلك ذهنية غائبة غالبا، في المنظومة الإدارية النسوية (الجداوية)!..

وبعد: فإلى متى يستمر هذا المشهد المرتبك؟ إلى متى تصبح بداية كل عام دراسي زمنا مفزعا مفعما بالقلق والاستجداء والخوف على المصائر والصرائر بفعل تلك العقليات المتسلطة المتوترة..؟ وليس لي إلا نداء (قائد) تعليم جدة بأن (يلتفت) بشكل حازم لهؤلاء النسوة المتجبرات المتكبرات المعطلات لمسيرة المجتمع والتعليم، في مدينة كانت يوما الرمز الذي انطلقت منه أشعة العلم والمعرفة لتعم البلاد كلها..

يجب أن يعرفن بأن المدارس والمراكز التعليمية ليست من أملاكهن الخاصة، وبأن عملهن داخل منظومة التعليم يحتم عليهن أن يشرعن آذانهن للإنصات إلى كل طالب حاجة مشروعة، وعقولهن لتجاوز فكر التسلط والتوحد إلى فكر التفاعل مع الآخرين، وقلوبهن لاحتضان بناتهن الطالبات وأخواتهن المعلمات، ممن شاء لهن القدر أن يكن تحت رحمة تلك القلوب اللاهية!

يجب أن تمنع هؤلاء النسوة من رفض الحوار مع أولياء الأمور بدعوى أنهن لا يتحدثن مع رجال! فالذي يتخذ الصمت له منهجا عليه: إما أن (يجد) في علاج عقله ووجدانه من الأزمات النفسية، أو أن يجلس في بيته وحيدا منفردا حين يطيب الصمت والاسترخاء! يجب أن يقال لهم بأعلى صوت: «يكفينا ما نجد من معوقات! يكفينا ما نجده في حياتنا من مستبدين وأوصياء ومفسدين عطلوا علينا الحياة، وأفسدوا علينا الدين، وشوهوا داخلنا العلم (وتعليمه)!».