ما زالت السعادة والفرحة تغمرنا كمواطنين بكافة شرائحنا ومناطقنا احتفاء بيومنا الوطني، ما زلنا نعيش فعالياته واحتفالاته والبهجة تحتوينا؛ مسيرته، إنجازاته، آماله، طموحه، جميع تطلعاته تأسرنا وتدفعنا لمزيد من العطاء والتضحية والسمو فوق كل عثرة تواجهنا وعَبْر كل تحدٍّ يعيق مسيرتنا الوطنية، نحتفل بفيض من الحب والإخلاص والولاء والاعتزاز بوطن اجتمعنا على ثراه وبين أوديته وجباله، وفي بقعة من الدنيا صهرتنا أرضية مشتركة وتاريخ واحد كشعب مختلف في أصوله العرقية متوحد في انتماءاته الوطنية، شعب متجانس في تطلعاته وآماله ثري باختلافاته وثقافاته، من ذلك جميعه تشكل النسيج الوطني للشعب السعودي كلوحة فنية زاخرة ثرية بألوانها وأطيافها، فانعكس على جمال حضاري متميز وتنوع فكري وتراثي غني بمحتواه المتباين، عميق بجذوره الوطنية ووحدته الشعبية وبرعاية أبوية تحكمنا وقيادة حكيمة تدفعنا لمزيد من التقدم والازدهار لنرتقي بوطن وشعب يستحق الريادة والإقدام نفخر به ويفخر بنا.

فالوطن هو تلك الشجرة الوارفة الظل التي تظلل مواطنيها، وتحميهم من الريح العاتية والمطر الشديد المنهمر، بها يحتمون وعليها يستندون ومن أجلها يعيشون ويبذلون الغالي والنفيس للدفاع عنها وللمحافظة عليها قائمة ثابتة وارفة بأوراقها، يانعة وزاهية بطرحها من الثمار والزهور، المواطنون هم ثمارها وزهرها الذي تتزين به وتزهو، هم عنوانها ورمزها تحتويهم في كنفها رعاية وبناء، وينتمون إليها أصالة وامتدادا، عطاؤهم شامل وخدمتهم وولاؤهم واجب، وكما وأن لهم مستحقات فإن عليهم واجبات مفروضة تفرضها التبعية الوطنية والفطرة الإنسانية والاستجابة العاطفية.

حب الوطن والولاء له والانتماء إليه لا يُفرض فرضا ولا يلُقّن درسا، فهو فطري ينبع من كل نفس سوية تحب الخير للجميع وتدين بالمعروف لصاحب العطاء والبذل، فكل المواطنين الذين يعيشون على أرض الوطن هم شركاء في المغنم والمغرم، ولا مجال إلا للعمل المشترك من أجل البناء والعطاء، فما نقدمه من خير وإيجابيات نجني ثماره نحن والوطن معا وما نقدمه من شر وسلبيات نحصد تبعاته نحن والوطن كذلك، ولذلك فالأحرى بنا أن نسعى دوما نحو دعم كل ما يقوي انتماءنا للوطن، فبه يكون الولاء الذي يؤدي إلى الإخلاص والصدق والتميز في العطاء، وبذلك نرتقي بذاتنا وبمجتمعنا ونحقق تطلعاتنا وطموحاتنا الوطنية في إطار المواطنة لكونها الدائرة الأوسع التي تستوعب مختلف الانتماءات في المجتمع، كما أنها تضع المعايير التي تلزم الأفراد بواجبات والتزامات معينة تحقق الاندماج والتشاركية والمسؤولية في تحقيق مصالح الأفراد والوطن من خلال أطره الرسمية والمجتمعية.

تعد المواطنة هي البوتقة التي تضمن انصهار جميع الانتماءات لصالح الوطن ضمن أطر نظامية، ومن خلال الالتقاء على أرضية المصلحة الوطنية العامة تكون بلورة الهوية الوطنية، وبالانتماء يتحقق الشعور بالأمان الذاتي والمجتمعي، وبه ترتفع الروح المعنوية ويزداد تقدير الذات، وبذلك يتعزز العطاء وتزداد متانة تماسك النسيج الوطني، ويقوى اندماجه وتجانسه، فيشتد عوده وتصبح قاعدته أكثر صلابة ومقاومة لما تواجهه من تحديات وإشكالات تهدد مسيرته التنموية وأمنه الوطني.

المواطنون هم صمام الأمان الوطني، وهم دعامته التي يرتكز عليها وقاعدته التي يستمد منها قوته، فبهم يزدهر الوطن ويتقدم وينافس غيره من الأوطان، وعلى أكتافهم ينهض الوطن وتبنى لبناته، وعليهم تُعقد الآمال وتتحقق الطموحات، وبعقولهم وأيديهم وجهودهم تنُجز الأهداف وتتبلور الاستراتيجيات والرؤى الوطنية في منجزات ملموسة، ومن المسؤولية الوطنية الاهتمام بمنجزاتنا والمحافظة عليها والحرص على استمراريتها ونمائها، ومن حب الوطن تمثيله بما يليق به في كافة محافله وفعالياته، سواء على أرضه أو خارجها، ومن احترام الوطن تقدير مكتسباته ومختلف مكوناته والاعتزاز بها، ومن الولاء للوطن وتعزيز الانتماء إليه احترام الآخر المختلف بما يتضمنه الاختلاف من عناصر متعددة، منها الفكري والثقافي، ومنها الديني والمذهبي، ومنها العرقي والقبلي، وغير ذلك من أوجه الاختلاف، وبذلك تكون اللحمة الوطنية البناءة وعليها يستند النسيج المجتمعي الوطني في إطار من التسامح والحب والقبول والاندماج بين شرائحه، وبذلك يعتز الوطن بمواطنيه ويفتخر المواطنون بوطنهم.

جميل أن نحتفل بمناسباتنا الوطنية نستشعر بها تاريخنا ومسيرتنا الوطنية ونستذكر ملحمتنا الوطنية وتلتقي فيها أفئدتنا وفرحتنا مجتمعة، نحتفل بأمن وأمان نعيشه ونحرص على ديمومته، نسعد بفعاليات مبهجة يشترك فيها جميع مواطنينا، تسهم فيها كافة مؤسساتنا وقطاعاتنا، يجمعنا حب الوطن والولاء له والانتماء إليه... دام عزك يا وطن، بك نفتخر وعنك نذود ولك نفدي الغالي والنفيس.