قد يحرر مدير المنشأة خطاباً إلى أحد موظفيه يحمل إنذارا معينا أو تنفيذ مهمة محددة. طريقة تحرير الخطاب إما أن تشجع الموظف أو تنفره تبعاً للأسلوب المتبع داخل هذا الخطاب. وقد يحرر الموظف مقترحاً معيناً إلى رئيس المنشأة. وحتى لو كان المقترح بناءً وجيدا فإن الأسلوب المتبع في الطرح قد يبعث بالمدير على التشكيك في نوايا الموظف وربما يؤجل تنفيذ المقترح.

ما يدور بين مختلف الاتجاهات في المملكة على الصعيد الإعلامي بواسطة الكتاب ومن يسمون أنفسهم "دعاة" حول المرأة وعملها وحقوقها وما ينتج بسببه من تعطيل اتخاذ الإجراءات التي أصبحت ضرورية ومهمة يعتبر سيئاً ومعيقاً لتقدم المجتمع واكتمال بنيانه تربوياً وتنموياً. سبب كل هذا التناحر بشكل كبير هو وجود الشك لدى كل اتجاه بنوايا الاتجاه الآخر.

هناك إذاً مشكلة نستطيع أن نسميها "Communication problem". دعونا نتناول بعض هذه المواضيع كأمثلة على ذلك. عندما أقول إن نفقة المرأة المطلقة والتي لا تتجاوز 500 ريال شهرياً بصرف النظر عن ملاءة الزوج المطلق قليلة فإن هذا يكفي أو يجب أن يكفي للفت النظر. لكن عندما أضيف إلى هذه الملاحظة عبارات الاتهام بأن القائمين على القضاء جهلة بأمور الحياة وأنهم بهذا يظلمون المرأة بسبب احتقارهم لها فإن الموضوع انتقل من مجرد ملاحظة تستحق الاهتمام إلى مجادلة بين الكاتب ومن يدافع عن القضاء. أما موضوع نفقة المرأة وهو الأساس فقد عصفت به الرياح منذ اللحظة الأولى لقراءة الموضوع. لنأخذ مثالا آخر. عندما يرد أحد الدعاة أو المشايخ على فكرة عمل المرأة في أجواء مختلطة ويتهم من ينادي بهذه الوظيفة بأنه علماني أو تغريبي ثم يستمر هذا الداعية أو ذلك الشيخ في تصوير ما بعد الوظيفة بأنه سيئ وقد يفضي فيما بعد إلى التعري والرقص والحفلات المختلطة فإن الموضوع قد خرج عن إطاره. فكرة الموضوع كانت في الأساس إتاحة طلب الرزق لمن تتقدم للعمل لكن بفضل هذه الحدة وإساءة الفهم والدخول في النوايا تحول الموضوع إلى تخويف وتخوين. المرأة في النهاية وكما في الحالة الأولى هي الخاسرة لأنها ستستمر عاطلة والله أعلم كيف ستتمكن من تأمين مصدر رزقها حتى ننتهي من هذا الجدل.

الذي يدفعني أيضا إلى مناقشة هذا الموضوع هو أن هناك أطرافا تستفيد من هذه المواجهات وتوظف ذلك لخدمة أجنداتها الخاصة وهي أجندات سيئة وشريرة. لذلك هي تعمل على استمراره وتغذيته بشكل مستمر. أنا هنا أقصد أرباب الفكر الإخواني وفصائل الفكر الضال الذي يحمل طموحات وآمال مختلفة بشكل جذري عن فكر وآمال هذه الأطراف المتنازعة على هذه القضية أو تلك. الغالب الأعم من الكتاب أو المعترضين على الكتاب من بعض العلماء هم في النهاية مواطنون ويحملون نفس القدر من الحرص والغيرة على الوطن ومستقبل أبنائه. الفرق يكمن فقط في إشكالية تناول هذه المشاكل ونوع الأدوات المطلوبة وطرق تطبيقها. كيف هي الآلية ومن الذي يغذي هذه النار؟ في موضوع فتاوى بعض العلماء نجد وبكل وضوح أن من يغذيها هو من يطرح الأسئلة الملغمة والتي سبق أن حذرنا منها ولكن عضو هيئة كبار العلماء أو الشيخ الكبير لم يستوعب بعد هذه الحيلة، فعندما أدلى الشيخ عبدالله المطلق بتصريحه حول منتدى خديجة بنت خويلد إنما أجاب عن سؤال من "سائل" ولو أن أحداً سأله عن هيلة القصير لأجاب عن ذلك، لكن لم يسأله عنها أحد ولم يطلب أحد من الشيخ أي رأي حول تلك المرأة الخائنة لوطنها. هنا نجد أن الشيخ المطلق وقع في الفخ. فهو أوضح بناء على معطيات السؤال أن النساء اللاتي اجتمعن في جدة لا يمثلن نساء المملكة. وكونه لم يتحدث عن هيلة القصير مثلاً أو غيرها من النساء الحركيات فإن هذا يعني ضمناً أنه قد لا يجد في تحركات هؤلاء النسوة أي مشكلة وهذا غير صحيح أبداً. وكذا معظم فتاوى الشيخ عبدالرحمن البراك أو الشيخ صالح الفوزان أو غيرهما فهي دائماً تأتي كإجابة عن سؤال، وما لم يأت هذا السؤال وبالمضمون الذي أتى به فلن تجد إجابة، وبالتالي لن تجد رأيا.

لكن ماذا لو مارس الكتاب نفس المهمة؟ وتعاونوا مع مجموعة من طلبة العلم الشباب تكون مهمتهم هي طرح الأسئلة التي عادة تحمل الإجابة في بطنها، ويتم نشر إجابات الشيوخ كما هي حال الطرف الآخر الذي عادة يبحث عن التعطيل. أنا على يقين بأنه لو تمت إعادة صياغة الكثير من الأسئلة التي سبق طرحها مرة أخرى ولكن بمضمون مختلف لأتت الإجابات بطريقة مختلفة وقد نجدها داعمة للقضايا التنموية المطروحة.

إنه لمن المؤسف حقيقة أن تكون مشكلتنا الكبيرة هي مشكلة "تواصل سيئ" أو مشكلة "سوء فهم" والمجتمع يئن تحت وطأة التخلف في الكثير من قضاياه الاجتماعية والتنموية. كما أنه مؤسف أن يستمر بعض العلماء الأفاضل في غفلتهم عن نوايا بعض طارحي تلك الأسئلة الملغومة وألا يتم إيقاف هؤلاء السائلين عند حدودهم. وما فتوى وظيفة الكاشيرة عنا ببعيد.

المؤسف أيضاً أن التمادي قد وقع وأصبح النيل من رموز الوطن وأمراء المناطق وكريمات الأسرة الحاكمة من الأمور العادية المقبولة. فقد زعموا أن هذا الأمير يسعى إلى تعطيل تعليم كتاب الله، وهذه الأميرة بها ما بها، وهذه المواطنة فاسقة، وهذه النائبة تغريبية ولا تمثل المرأة السعودية ونحو ذلك. أصبحت كل هذه الأطروحات تتكرر لكننا نغفل عن طرح السؤال الأهم: من المستفيد من كل ذلك؟ نكرر كل هذه الشتائم ونتناسى أننا ننهش الوطن ومقدراته ونضع مستقبله في مهب الريح. نكرر كل هذا ونحن على يقين مشايخاً وكتاباً أن التغيير لم يعد أداة تجميل بل ضرورة وأن البحث عن الحلول العملية الهامة والمفيدة هو مسألة محسومة ولا بد لنا من تبني التغيير والانطلاق نحو الأفضل بما يتناسب مع معتقدات وممارسات أبناء الوطن ومقدراتهم. لنتوقف قليلاً ونأخذ نفساً عميقاً لعلنا بعد ذلك نكتشف طرقا أخرى للتواصل ولعلنا نشيد من جديد عوامل مشتركة فيما بيننا تضع المعتقدات والوطن ومكتسباته ومستقبله أولاً.