تناقل مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت مشهد فيديو لمحاضرة أحد رجال الدين يسخر فيها من قيادة المرأة للسيارة، ويقول عن المرأة إنها بربع عقل، ويتساءل «كيف تعطى المرأة (رخصة قيادة)، وليس لديها سوى نصف عقل، وإن ذهبت إلى السوق ينقص نصف عقل زيادة.. فيبقى لديها ربع عقل، نطالب المرور أن يتحرى لأنه لا تليق بالمرأة القيادة وهي لا تملك إلا ربع عقل!».

وعلى هذا الأساس، يرى العديد من رجال الدين بشكل عام أن المرأة ناقصة عقل، وذلك لأن شهادة امرأتين كشهادة الرجل الواحد، والنساء أيضاً ناقصات دين، وذلك لقعودهن عن الصلاة والصيام في أيام الحيض والولادة، والمرأة في العصر الحديث تشعر بحالة من الامتعاض والحيرة والألم بسبب مثل هذه الأقاويل وهذه الروايات رغم تسليمهن وسكوتهن عن ذلك.

وكما هو معلوم بأن الإسلام دخل في مجتمعات متعددة الثقافات والديانات، وسيادة الرجل متفاوتة من ثقافة إلى أخرى، ومن ديانة إلى أخرى، وعند دخول الإسلام في هذه المجتمعات، ظهر جزء من الموروث الفقهي عن المرأة متأثرا بالثقافة الموجودة في المحيط الاجتماعي، فنجد فكرة سيادة الرجل تظهر بشكل واضح في بعض الأحكام الفقهية وتفسيرات النصوص الدينية، وتم تقديم المرأة من خلال تضخيم بعض النصوص، والتعتيم على بعضها الآخر.

فإذا كانت علة نقصان دين المرأة بترك الصلاة والصيام أثناء الحيض، فمعلوم أن ذلك بأمر من الله تعالى، وإذا كان ذلك امتثالاً لأوامر الله عزّ وجل فهل يعد نقصاً في الدين؟ عندما يترك المسلم الصيام في السفر على سبيل المثال، أو يقصر في صلاته بأمر من الله، يعد ناقص الدين أم يعد ذلك من كمال الإسلام والتعبد بما أمر الله تعالى؟ وهكذا في نقصان العقل، فإذا كانت العلة في أن شهادة المرأة بنصف شهادة الرجل الواحد فذلك راجع إلى طبيعة المجتمع العربي في صدر الإسلام، فالمرأة في ذلك الوقت ليس لها دور اجتماعي، وبالتالي تكون خبرتها أقل من الرجال إجمالا لا سيما في المجالات التي يقل تواجدها فيها، ونقصان العقل هو إشارة إلى عوامل أخرى غير القدرات العقلية التي قد تتبادر إلى أذهان من يتسرعون في إطلاق الأحكام وكيل الاتهامات دونما تحقيق أو فهم صحيح.

هناك مسألة مهمة في القرآن قلما يلتفت إليها المسلمون للأسف رغم أهميتها، وهي أن هناك أحكاماً تتضمن مبادئ ثابتة كالعدالة والإنسانية والمساواة، تتضمن وسائل وآليات لتحقيقها بما يتناسب مع ظروف المجتمع وبيئته، والقرآن يضرب لنا أروع الأمثلة في تحقيق هذه المبادئ، ومن ذلك توثيق الديون حفظاً للحقوق بين جميع الأطراف وخاصةً الضعيف والسفيه، والمتتبع لسياق الآية الكريمة 282 من سورة البقرة، يجد أن اشتراط شهادة امرأتين على توثيق الديون، هو عبارة عن آلية للضمان بسبب وضع المرأة الاجتماعي آنذاك، وعند تغير هذا الوضع وفي مثل وقتنا الحاضر فإن هذه الآلية تتغير ويكتفى بشهادة امرأة واحدة فقط، وفي عصر التقنية الحديثة ربما لا نحتاج إلى شهادة المرأة ولا إلى شهادة الرجل على حد سواء.

وبناءً على ما سبق، نجد أن نصوص القرآن والسنة لا تفرق بين قدرات المرأة العقلية وقدرات الرجل، ويتجلى ذلك في الخطاب القرآني العام لكل من الرجل والمرأة، بالإضافة إلى كثير من النصوص التي تتحدث عن ذكاء النساء وقدراتهن وآرائهن السديدة في مواضع متعددة من الكتاب والسنة الشريفة، يقول الله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء)، وفي قوله تعالى (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).

وهناك آيات قرآنية كثيرة يفهم منها بكل وضوح المساواة بين الرجل والمرأة في العقل والدين والإيمان والمنزلة والكرامة وغير ذلك، فالمرأة على درجة واحدة مع الرجل في التكريم والإجلال وقدسية الحياة، فهل تنسجم هذه المفاهيم القرآنية مع ذم المرأة والتنقيص من شأنها؟