مرت المملكة العربية السعودية بعدة معارك من أجل تأسيس الدولة السعودية الأولى والثانية والثالثة، بدأت عام 1764 في معركة الحائر، مرورا بمعركة وادي الصفرة 1812، ومعركة السبية وعروى ومعركة كنزان وحرملة 1923، وغيرها من العديد من المعارك التي خاضتها، إلى انتصارها في حرب الوديعة والخوبة، وحادثة الحرم المكي، وحادثة الخفوس وشرورة. وذلك من أجل الحفاظ على أمن واستقرار هذه البلاد، وحماية مقدساتها وثرواتها الوطنية، وسلامة شعبها ومن يقيم على أراضيها.

فعملية إرساء الأمن في السعودية تعتبر واحدة من أهم الإنجازات التي حققتها المملكة بالعمل الدؤوب، وبالسعي المتواصل إلى المحافظة على استمراريته، وذلك بتطوير طرقه وتقنيته يوما بعد يوم. وفي كل عام يجدد الشعب العهد بالمحافظة على أمن المملكة، دون الانسياق وراء الشعارات المغرضة والدعايات الزائفة التي تحمل وراءها خططا وأهدافا أكبر مما تبدي، فأمن الوطن واستقراره أصبح من مسؤوليتنا المشتركة التي نحرص عليها دون اتفاق مسبق.

فنحن شعب تعلم منهج حب الوطن دون كتب، بل من التجارب الصعبة التي مر بها العالم حولنا، ومن المواقف الحرجة التي تجاوزناها في مجتمعنا، والتي علمتنا ألا ندير ظهورنا إلى جيراننا وأبناء عمومتنا في دول الخليج، ولا في الدول العربية، حين يحتاجون الغوث أو المساعدة، فتعلمنا بأن أمن المملكة لا يتوقف عند حدودها فقط، بل يمتد لأبعد من ذلك ليصل لحدود جيرانها. وتعلمنا كيف نتصدى لمراحل اندلاع الفتن المتعددة، بعد أن شاهدنا كيف هوت بكثير من دول العالم حولنا، فتعلمنا من تجارب الآخرين وفهمنا الدرس جيدا، واستثمرنا تلك التجربة بالعمل والتحسين والتصحيح. وربما يجهل تماما هذا الأمر المرتزقة المتربصون بأي خطأ أو زلة، ليصنعوا منها هدفا يطلقون عليها سهامهم السامة، فعلى الرغم من انتشار بعض الوحوش حولنا، يتوقع البعض الآخر أن نرتدي ثوبا ملائكيا، ونستسلم لابتزازهم وأذيتهم دون الدفاع عن أنفسنا. وحين نفعل لا يقتلهم سوى تلاحمنا وبقائنا على قلب رجل واحد، فلا ينالون من حربهم تلك إلا العناء النفسي والمادي، وهذا ما يجعلنا نشعر بالشفقة حقا، على الذين يبحثون عن جنازة، ليشبعوا أنفسهم لطما، لأنهم لا يجيدون في حياتهم سوى اللطم.

فما إن يرانا المارقون ننتقد خدمة أو نظاما في إحدى الوزارات أو القطاعات، حتى تبُح أصواتهم في التأجيج والاتهامات التي لا تمت للواقع بصلة، بينما اخترنا أن نعمل معا «قيادة وشعبا»، على تحسين حياتنا وسبل معيشتنا، مسجلين رغبتنا على قبول جميع أصعدة الحياة بجودة عالية ومتميزة.

ومع ازدياد الوعي في المجتمع زاد سقف طموحاتنا بحجم ثقتنا في إمكانات الدولة وفي قائدنا، الذي علمنا كيف لا نقبل بأنصاف الحلول أو بمخرجات ضعيفة، بل بالأفضل دائما، حتى تحول الطموح الشعبي إلى هدف وطني سعى نحو تحول كامل. فتم إعلان برنامج التحول الوطني الذي بدأ بإعادة هيكلة كافة وزارات وهيئات ومؤسسات المجموعة الاقتصادية لتوحيد الأداء، لتصبح المملكة على خارطة الدول المتقدمة في العالم. وتمحور البرنامج حول قياس أداء الأجهزة الحكومية، من خلال عدة مؤشرات للقياس، حول 17 قطاعا ووزارة رئيسة، يأتي في مقدمتها التعليم، والصحة، والإسكان، والعدالة الاجتماعية، إضافة إلى البيئة العدلية، والخدمات البلدية، والبنى التحتية. وتم تحديد عام 2020 كموعد لقياس أداء تلك البرامج والخطط التي طرحها الوزراء والمسؤولون في الأجهزة الحكومية.

وربما تابعنا منذ عاصفة الحزم كيف نجحت المملكة بقيادة الملك سلمان، في تكوين تحالف إسلامي عسكري ضم 41 دولة، لمحاربة الإرهاب والفكر المتطرف، بينما عمل في الطرف الآخر مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، على تقديم المساعدات الإنسانية للدول العربية والإسلامية، للإسهام في تخفيف المعاناة التي تنجم جراء الكوارث الطبيعية والصراعات.

كما كنا شهودا على العديد من التغييرات التي أتت لتواكب احتياجات الزمن الذي نعيشه على الصعيد الداخلي، فأنشئ جهاز رئاسة أمن الدولة الذي مكن وزارة الداخلية من تقديم خدمات أفضل للمواطنين والمقيمين في كافة القطاعات التابعة له. كما ركز على مكافحة الإرهاب أمنيا واستخباراتيا، ومراقبة تمويله ماليا. وجاء تحويل «هيئة التحقيق والادعاء العام» إلى النيابة العامة وربط تبعيتها بالملك مباشرة، واستقلاليتها الكاملة، ومنع التدخل في أعمالها، تماشيا مع القواعد المتبعة في معظم دول العالم، تحقيقا لمبدأ الفصل بين السلطات.

ولعلي أذكر من ضمن التغيرات المهمة التي لمستها بشكل مباشر، أهمية القرار الذي وجه به خادم الحرمين الشريفين، لتسهيل أمور النساء دون طلب ولي أمر، والذي ذكرنا بنفس شعور البهجة التي تملكتنا حين أعلن الملك عبدالله -طيب الله ثراه- قرار دخول المرأة مجلس الشورى، بأكبر عدد من المقاعد البرلمانية المخصصة للنساء مقارنة ببعض الدول الأوروبية.

في رحلة الوطن نحو القمة سنستمر في انتقاد كل ما لا يرقى بطموح المواطن إلى أن يليق بالوطن، وسنكتب خلال الرحلة في كل عام ملاحم من الحب، ننشد فيها معا وطني الحبيب وهل أحب سواه.

كل عام ووطني وأهل وطني بخير وزهاء ورفعة وحضارة.