أثناء مساء أحد الأيام الجميلة وأنت تتجول بسيارتك الجميلة برفقة العائلة لقضاء بعض الاحتياجات، وجهاز التكييف يرسل هواءه البارد وصوت المذياع تنبعث منه موسيقى أخبار التاسعة، وفي خضم هذه الأجواء الهادئة، فإذا بيد صغيرة تشد ثوبك من الخلف لتلتفت وتجد ابنك الصغير يعض على شفتيه ويشير بيده معبرا لك عن حاجته الماسة ليقضي حاجته، حينها يتغير الموقف برمته، وتعلن حالة الطوارئ وتمضي مسرعا بالسيارة ويدك على قلبك متمتما: «أرجوك لا تسويها» وما يزيد الطين بلة أن الطريق أصبح فجأة مزدحما بالسيارات، تتلفت ذات اليمنة وذات اليسرة باحثا عن أحد المساجد علك تجد به دورة مياه لتقع عينك على ذلك المسجد في الشارع الآخر فتلتف مسرعا لتتوقف عنده وتهرع مع ابنك الصغير لكن يا للأسف دورات المياه مغلقة، فهذا ليس وقت الصلاة «اصبر قليلا» تصيح برجاء لابنك المسكين الذي لا حول له ولا قوة، وتعودان أدراجكما إلى السيارة لتكمل رحلة البحث عن أحد الأسواق أو المولات القريبة، وهذه المرة تقوم بتشغيل أضواء السيارة التحذيرية، وتضغط على منبه السيارة لتفسح لك السيارات الطريق ولسان حالهم يقول «مسكين يبدو أن لدى زوجته حالة ولادة»، ولكن الوقت لا يسعفك فعلى ما يبدو أن ابنك لا يستطيع الاحتمال أكثر، فتقوم بالتوقف وإرخاء زجاج النافذة لتسأل أحد الشبان على قارعة الطريق بارتباك وعجلة واضحين «لو سمحت هل توجد دورة مياه قريبة هنا؟» فينظر لك وكأنك معتوه يسأل سؤالا غريبا فيهز رأسه نفيا ويجيبك ساخرا: «مالك إلا البرحة!»، ويشير لك بيده على بعد بضعة أمتار، (والبرحة) بفتح الحاء بلغة أهل الحجاز هي الأرض الفضاء، تلتفت مرة أخرى لطفلك لتسأله «هل تستطيع الانتظار أكثر فلا يجيبك لتصيح زوجتك قائلة: ماذا تنتظر؟ الولد لا يقدر على الانتظار أكثر! فتأخذ بيده وتقول له: مالك إلا البرحة. وريثما يقضي طفلك حاجته قد تنظر إلى السماء أو تعبث بهاتفك الذكي هربا من أعين المارة، وبعد أن ينتهي تعودان أدراجكما إلى السيارة وانتهت القصة.

أكاد أجزم بأن كثيرا منا قد مر بقصة مماثلة وإن كنت قد أضفت إليها بعض الدراما الساخرة إلا أنها في الحقيقة قصة واقعية قد تواجه أيا منا، فمدننا الكبرى فضلا عن المحافظات الصغيرة لا توجد فيها دورات مياه عمومية، وبالرغم من أنها أحد أهم الخدمات العامة المطلوبة والتي تجدها في كثير من دول العالم إلا أن الأمانات والبلديات لدينا غافلة عن مثل هذا الأمر، ولا تكاد تجد مثل هذه الدورات إلا بشكل محدود في كورنيش جدة والدمام أو في بعض الحدائق العامة والمتنزهات، ولكن لا تجد لها أثرا في الشوارع والميادين العامة، مع العلم بأن هذه الدورات لا يشترط أن تكون مجانية بل يمكن وضع بوابات إلكترونية عليها لا تفتح إلا عند إدخال عملة معدنية مثل كثير من دول أوروبا بحيث يكون العائد المادي من هذه الدورات يستعمل في صيانتها وتشغيلها.

ولكي يكون الأمر أسهل فلماذا لا تقوم أمانات المدن بالتنسيق مع وزارة الشؤون الإسلامية لكي تتولى البلديات الفرعية تشغيل وصيانة الدورات الخاصة بالمساجد طوال ساعات اليوم وخارج أوقات الصلوات، فالمساجد منتشرة ولله الحمد في معظم الشوارع والميادين، بل ويمكن وضع بوابات إلكترونية كما أسلفت، بحيث تكون هذه البوابات مفتوحة أوقات الصلوات.

إن كثيرا من الحلول البسيطة والتي تكون على مرأى ومسمع من المسؤول لا تتطلب في كثير من الأحيان إلا بعض المبادرات والقليل من التفكير خارج الصندوق، وحتى يصل هذا المقترح إليك يا معالي الأمين، تذكر جيدا إذا صادفت قصة مثل التي ذكرت فلا تتعب نفسك بالبحث (فمالك إلا البرحة)!