اطلبوا العلم ولو في الصين، تنطبق هذه المقولة على أبنائنا وبناتنا، فلا يوجد منزل إلا وقد ودع فردا من أفراده لطلب العلم، نظرا لتزايد أعداد المبتعثين وعلى وجه الخصوص العائدون منهم من بلاد الابتعاث، بدأت تظهر للعيان ظاهرة معاصرة ومثيرة للجدل. فيما قد يتفاجأ البعض بسماع خبر طلاق أحد الأقرباء وترك الزوجة زوجها وأطفالها خلال الأشهر الأولى من عودتهما من الابتعاث، ومع غياب الأسباب البديهية أو المنطقية التي تستدعي الطلاق في العادة. قد يلقي الناس باللوم على الزوجة في المقام الأول، وعلى الأغلب قد يصف البعض ما جرى لها أنها فقدت عقلها «فيوزاتها ضربت» بلا سبب. وقد يدعي البعض الآخر أنها كانت مستمتعة بالحرية المطلقة التي لم تجدها هنا. هنالك العديد من الأسباب والتحليلات التي قد تبدو منطقية لأي شخص يتلقى الخبر من الأهل والأصدقاء «كنكران العشرة أو الاستغلال أو عدم المسؤولية»، إلا أنني وللأسف الشديد وقفت على أكثر من حالة طلاق بين الأزواج العائدين من الابتعاث خلال الفترة الانتقالية التي يمران بها، وأشدد بأنها انتقالية من جميع النواحي، منها اختلاف طبيعة المكان والزمان، وبعض الظروف المادية والمعنوية والاجتماعية، بالتأكيد قد تكون هنالك نواح سقطت سهوا. تتكون هذه الفترة الانتقالية عادة من كذا متغيّرا، حيث تسهم في هدم أوثق علاقات الحب الذي لطالما كان يظنه الشخص «الحب الحقيقي والكبير وغير المشروط» نعم، قد تكون الزوجة الهاربة من زوجها المبتعث حملت في قلبها لهذا الشخص حبا عنتريا، لصبرها على صعوبة ظروف المعيشة وقلة المادة واختلاف البيئة وثقافة أهل البلد. ولتفادي هذه المشكلة يجب على الشخص سؤال نفسه عن السبب الحقيقي الذي جعل رفيق حياته يتخلى عنه في هذه الفترة الحرجة. وجه لنفسك سؤالا على سبيل المثال، هل كانت زوجتي ستقوم بنفس هذا الفعل إن كنّا في بلاد الغربة، خاصة إن كانت علاقتكما قوية. إذن، أبحث عن الإشكالية والمتغيرات. قد تكون المشكلة متعلقة بإحدى النواحي أعلاه أو جميعها. في بعض الأحيان يكون السبب هو عدم وجود الاستقرار المادي نظرا لعدم حصول الزوج على وظيفة فور الانتهاء من البعثة، وهذا أمر متوقع حدوثه، وفي أحيان أخرى يعيش الشخص صراعا داخليا مع شخصيته القديمة التي عرفها به معظم من حوله قديما، غافلين عن مسألة مهمة ألا وهي أن الشخص يتغير بتغير الظروف والتجارب وتقدم العمر لا محالة، ومثال غالبا ما يتكرر ويسبب الكثير من المشاكل هو معاملة الزوج لزوجته بجفاء وصرامة لكي لا تتزعزع صورته المعهودة لدى أخواته، فقد يكون الزوج معتادا على مساعدة زوجته في المنزل وقضاء حوائجها لأن الغربة تقتضي وتتطلب المشاركة من الزوجين سويا، في أكثر حالات الطلاق هذه يكون الزوجان مغمورين بالمظاهر والعادات الاجتماعية وإتاحتهما الفرصة للمجاملات والتدخلات من أفراد الأسرة بحجة كسب الرضا والاحترام. إنها مسألة صعبة ووقت عصيب، ولكن قد يكون الحل في وضع اليد على أساس المشكلة أولا، ثم تخصيص وقت «مقدس» وخاص بالأسرة فقط «quality time»، كما أن تفهم المشاعر السلبية الناتجة عن التغيرات أمر في غاية الأهمية لكي لا يدخل الشخص في حالات متطورة من الحزن والاكتئاب.

أخيرا، إن الانسحاب من علاقة وظروف صعبة ليس حلا، فلقد مررتم بصعاب وعثرات حقيقية في الخارج، منها العنصرية، والعبء الدراسي، وتربية الأبناء دون الاعتماد على أي شخص وغيرها الكثير، فلا تسمحا لنواح مؤقتة في فترة انتقالية أن تهدم حياة كانت وستكون سعيدة، بإذن الله.