عند انبهارنا بحضارة أحد البلدان المتقدمة ورقي شعبها، نردد العبارة الشهيرة المنسوبة للشيخ محمد عبده، والتي قال فيها: إنه رأى إسلاما بلا مسلمين. هذه العبارة تشعرنا بأننا أولى منهم بما وصلوا له لمجرد أننا مسلمون. والحقيقة أن الحضارات لا تنسب للدين فقط. فقد وصل الإغريق واليونانيون والصينيون وغيرهم المجد قبل ظهور الإسلام. ولو تأملنا جيدا لوجدنا كل الأديان الخمسة الشهيرة تحث للسمو بالأخلاق والقيم، وتدعو الناس لها. ولو كان الدين وحده هو من يصنع الحضارة لأصبحت «التيبت» المتخلفة مثل اليابان المتقدمة، فكلتاهما بوذيتان. ولا أعتقد أن التبتي إذا زار ألمانيا يقول: بأنه رأى بوذا بلا بوذيين! ولو كان الدين وحده هو من يصنع الحضارة لأصبحت بنجلاديش مثل ماليزيا، فكلتاهما مسلمتان. عندما نرى تلك البلدان المتقدمة وشعوبها التي تنبذ الكذب والغش والسرقة والرشاوى والفساد فنحن ننسب ذلك للإسلام، لأنه حقا حارب هذه الخصال السيئة. ولكن هذه الخصال أيضا محاربة في كل الأديان وليس في الإسلام فقط. هذا يقودني لتصور آخر راسخ عند كثير من الناس وهو الاعتقاد بأن كل الكفار والملحدين بلا أخلاق وبلا قيم! فهل هذا صحيح؟ طبعا لا، فكما أن المسلمين مختلفون ولا يجوز لنا التعميم والقول بأن كل المسلمين مثاليون ونزيهون فهم أيضا كذلك. نحن نرفض التنميط ونرفض وصف المسلم بالإرهاب مثلا، ورغم ذلك نحن نصف كل ملحد وكافر بأنه بلا أخلاق وقيم. كون الإسلام يدعو للفضائل فهذا لا يعني أن غيره يدعو للرذائل. كثير من الدول المتقدمة علمانية، والدين بالنسبة لهم شبه هامشي، ولكنهم يعلمون أبناءهم ويربونهم على منظومة أخلاقية رفيعة، تبدأ باحترام النظام وترسيخ القيم النبيلة وتنتهي باحترام الآخرين ومعتقداتهم المختلفة. فهل نحن كذلك؟