فشل حراك 15 سبتمبر كما فشل غيره ببساطة، وكان هذا المتوقع من كافة أفراد هذا المجتمع لأنه يعي تماماً أن مثل تلك الدعوات ليست في صالح الوطن، ولا أبنائه، بل هي فوضى عارمة وخلل بالأمن، وهذا ما لا يرضاه أي سعودي، الوطن خط أحمر في نظر السعوديين. يمكن قبول النقد فيما دون ذلك، لكن أن يلامس ذلك أمن الوطن ووحدته أو محاولة العبث في كيانه أو بث الفوضى فهذا أمر غير مقبول عند المجتمع السعودي لا من قريب ولا من بعيد.. كنتُ واثقاً أيّما ثقة بأن المجتمع لن يخرج مطلقاً في دعوات مشبوهة مثل هذه الدعوات، لأنه بكل بساطة يعي تماما أن وطنيته الحقة لن تكون بالانجراف وراء مثل تلك الدعوات.

فشلت دعوات كثيرة من قبل وفشلت دعوة حراك 15 سبتمبر بكل بساطة لأن من يدعو إلى مثل تلك الأمور لم يكن واعيا بمدى تلك العلاقة الممتدة بين الشعب ووطنه. لم يفرط هذا الشعب بوطنيته يوماً حتى في أحلك الظروف. كان ضد كل تلك الدعوات التي كانت تشوه من علاقة الناس بوطنهم سواء أكانت حركات إرهابية أو شغبا أو دعوات للمظاهرات التي تدعو لها عناصر معارضة في خارج البلاد. تلك العناصر لا يهمها صالح هذا الوطن ولا شعبه بقدر ما يهمها أكثر زرع الخلل والفرقة وتحقيق أحلامها التي لا يؤمن بها إلا أناس قلة، لم تتجذر مفاهيم الوطنية في نفوسهم، بل كانوا يحققون مخططات غيرهم من خلال تغييب ذواتهم الناقدة تجاه أي دعوة من تلك الدعوات المشبوهة.

فشل الدعوات إلى الإخلال بأمن هذا الوطن في أكثر من مرة، فليس فشل هذا الحراك هو الفشل الأول بل سبقه فشل ذريع قبله بسنوات، وهو فشل ثورة حنين التي لم يخرج بها أحد. ذلك الفشل الذريع كان كفيلاً بأن يُفهِم أصحاب تلك الدعوات بأنه غير قادر على زعزعة أمن هذا الوطن بسبب تلك العلاقة الفريدة بين الشعب ووطنه. بين الشعب وأرضه. بين الشعب وحكومته.

الفشل في حنين كان يجب أن يعطي هؤلاء العابثين درساً في أن أمن هذا الوطن خط أحمر، وأن المجتمع ليس ذلك المجتمع الذي يسير خلف دعوات مشبوهة تريد العبث بمكتسبات هذا الوطن وتزعزع أمنه، فما من محاولة مثل تلك المحاولة إلا وكان مصيرها إلى الهزيمة والفشل الذريع.

الأمر المثير في فشل حراك 15 سبتمبر أنه لم يتوقف على الفشل بل حوله المجتمع إلى حراك ولاء لهذا الوطن. حراك يشي بأن أبناء هذا الوطن مع دولتهم، وأن ما يحركهم هو وطنيتهم التي تربوا عليها. الوطنية التي لا ترى في مثل تلك الدعوات إلا تخريبا وفوضى وليست دعوة وطنية تزيد هذه الدولة رفعة ونماء وتنمية.

بل إنه حتى تلك التنظيمات التي اخترقت بعض الشباب السعودي وصدقوها مما سبب بعض المشكلات بالفعل فقد عاد المجتمع ليثبت مرة أخرى أنه مجتمع وطني بامتياز، ربما التحق بعض الشباب السعودي في داعش من قبل وحاولوا أن يعيثوا خراباً بأمن هذا الوطن، ومن قبلهم تنظيم القاعدة منذ 2003 تقريبا بعدد من التفجيرات أو الاغتيالات، لكن الذي حصل أن كانت ردة المجتمع ضدها قوية، ووقفوا إلى جانب دولتهم ورجال أمنهم، كما التحق بعض الشباب المخربين في العوامية إلى العنف والإرهاب ولكن وقف ضدهم حتى أهل العوامية والقطيف والمجتمع السعودي من ورائهم، ليثبتوا مرة أخرى وطنيتهم وانتماءهم إلى هذا البلد وولاءهم لهذا الوطن.

عاشت شعوب الخليج في علاقة تنموية _ إذا صح الوصف _ مع أوطانها، ولذلك فإنه يصعب عليها أن تتجاوب

إلى ما يمكن أن يزعزع هذه العلاقة، فالمكتسبات الوطنية والتنموية والأمنية في دول الخليج لا يمكن أن يتنازل عنها المجتمع، فهي أساس ومقوم من مقومات علاقته في هذا الوطن وترابه وناسه وحكوماته، ولذلك فكل تلك الدعوات المشبوهة صار مصيرها الفشل في كل مرة، لأنه لا تعي هذه المسألة مطلقا، ولا تعي مدى تلك العلاقة المتجذرة بين شعوب الخليج وأوطانهم. هي دعوات مشبوهة لأنها خارج السياق الوطني الذي يعرفه المجتمع وخارج الأمان الذي يعيشه المجتمع وخارج علاقته بالتنمية التي يعزز حضورها ويرغب بها أكثر وأكثر ناس هذا البلد، ولذلك فأول شك فطري يشك فيه المجتمع بهذه الدعوات هو أنها تقود إلى الفوضى والخراب وتبعد المجتمع عن مكتسباته الوطنية، ولذلك يرفضها ويفشلها قبل أن يكون لها أي مردود ولو ضئيل على وعي الناس.

الناس في دول الخليج عرفوا قيمة الأمن والتنمية وإن شاب تلك التنمية بعض الشوائب فإصلاحها ليس في دعوات مشبوهة مثل تلك الدعوات، بل بإصلاحات وطنية واقتصادية واجتماعية وتنموية تعزز من حضور الفاعل الاجتماعي في هذه الدولة، وتحقق مزيداً من التكاتف والنمو المعرفي والثقافي والاقتصادي، إلى جانب الوعي التقني والقانوني، وضرورة الاستفادة من التجارب التنموية في البلدان الأخرى، وليس في زرع الفوضى والفتنة التي رأى المجتمع مآلاتها في بعض البلاد العربية، التي دخلت في أتون الثورات ولم تسلم منها حتى الآن.

المجتمع السعودي مجتمع وطني، ويثبت مع كل أزمة تلوح في الأفق مدى علاقته الوطيدة بهذا الوطن، ومدى ارتباطه ببعضه من شماله إلى جنوبه ومن غربه إلى شرقه، وما الأحداث في السنوات الماضية إلا إثبات على ذلك.