ولدتَ من عائلة ثرية، ولم تتعرض للمصائب التي تؤثر في نفسيتك، والدنيا مسخرة لك في الغالب، ولم تكن ممن يصارعون الدنيا كل يوم، ويوجد من تسند ظهرك عليه، ولا ينقصك مال ولا صحة، ولا يوجد ما يعكر مزاجك باستمرار؛ إذاً لماذا أنت نفسية!
سوء النفسية ليس أمرا يستجلبه البشر لأنفسهم، وإنما هو بسبب ظروف محيطة بالإنسان تتراكم عليه، وتتوالى عليه لتجعل منه ذاك الذي يصنف بأنه نفسية أو قد تكون مغروسة به جينيا فلا يستطيع الانفكاك عنها، وليس في السببين الرئيسين تبرير لمن يحملون تلك الصفة.
أعتب على من يتهم البعض بهذه الصفة، فهو لا يعلم الأسباب التي جعلت مزاجهم يتعكر، وأعتب على من يتعكر مزاجه بسرعة، ولا يحاول جاهدا أن يبعد كل ما يعكر صفوه، ويفسد نفسيته بأي طريقة مسموحة كانت.
تستطيع التغلب على نفسك، وتسيطر على نفسيتك، ولكن عندما تكون نفسيتك سيئة لسبب أو لآخر حاول أن لا تظهر ذلك عند الناس، وإن أردت التغلب على هذه الحالة اعمل عملا يسعدك، أو تأمل والجأ للعبادة؛ فهي فعالة إلى حد كبير مع كثير من الناس، أو مارس الرياضة أو دع النفسية السيئة تذهب من نفسها، ولا تقاومها؛ فهي زائلة لا محالة.
اعلم أيها القارئ أن الصفات التي تحملها ستؤثر في حياتك إلى حد كبير، واعلم أن الصفات المحمودة فيك هي فيك لأنك في الغالب مجبول عليها، وفيما ندر أنت من صنعتها.
تأتينا أحيانا أفكار عابرة، وتساؤلات معتبرة، وهي؛ ما السر في كون هذا معافى، وهذا مريض، وهذا أغناه الله، وهذا أفقره الله، وهذا من حسب ونسب، وهذا لا حسب ولا نسب.! سيقولون فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم، وأقول صدقتم، ولكني أظن أن الحظ أو الصدفة لها نصيب منها، ونستثني من ذلك من يصنعون مستقبلهم؛ فلا يرتبط غنى إنسان بتقوى، ولا مرض إنسان بمعصية، ولا ملك إنسان بصلاح.!
فلنصنع الفائدة من هذا الكلام المنثور؛ إن كنت نفسية فتنفس، وحاول إخفاء هذه الصفة فيك، وإن كنت لست كذلك فاحذر من أن تنعت الناس بهذه الصفة، فأنت لا تعلم الظروف التي مروا بها، والعقبات التي واجهوها، والمصائب المتتابعة التي رافقتهم، كما لا تعلم إن كانت الدنيا ظلمتهم أو الناس خذلوهم.