الثقافة شيء جميل، غير أن التثاقف هو آفة العقل، وقلّة هم المثقفون الحقيقيون في ساحتنا الإبداعية المحلية، وكثرة كاثرة هم المتثاقفون في ذات الساحة السائحة النائحة.
مازلت أتذكر أحد متثاقفينا الكرام، ممن يسمعون بأسماء التجارب الشعرية العربية سماعاً، ولم يقرؤوا شيئا لتلك الأسماء، عندما أطرق متأملاً وسابحاً في ملكوت الله، قبل أن يفاجئنا بأنه من المغرمين جداً بتجربة (الشاعرة) أمل دنقل، فيما يرى نفس الشخص، أن تجربة (الشاعر) نازك الملائكة تستحق التأمل وإثارة الأسئلة!.
مثل صديقنا المتثاقف هذا الذي جعل أمل دنقل شاعرة، وهو في الحقيقة شاعر مصري، ومن نازك الملائكة شاعراً، وهي شاعرة عراقية! ومثله كثر، يتناسلون اليوم في الصحف ومواقع التواصل والمدونات، وفي الهواء والماء والتراب.
هذا الصنف المتثاقف وغير المثقف، يتشابه أفراده والمُنتمون إليه مثلما تتشابه القطط السياميّة، فهم في كل حساب وفي كل صفحة، يحتسون القهوة السوداء، ويسمعون فيروز صباحاً، ولو سألتهم عن تاريخ وأعمال فيروز، لفُجعت بالإجابات.
جميلٌ هو صباح فيروز وأغانيها، وعميقة هي مسرحياتها، وملائكيٌ هو صوتها، ولكنكم أيها المتثاقفون تشوهون صوتها وصباحاتها، بالقهوة السوداء والتكرار والتثاقف.
إنكم أيها الفيروزيون الصباحييون، تقتلون جمالية فيروز بسجنها في صباحاتكم وتوقيتاتكم العجيبة الغريبة، وكأنما فيروز لا يمكن سماعها إلا صباحاً، أو كأن صوتها لا يعتمل في الوجدان، إلا من خلال قهوتكم السوداء المكرورة المملة.
والآن، أستأذنك أيها القارئ الكريم، في الذهاب إلى صباحي الخاص، أحتسي قهوتي السوداء، وأستمع إلى فيروز.