في ثانوية تحفيظ القرآن هناك مادة اسمها علم الفرائض تبتدئ حصتها غالبا بمسألة جملتها الأولى مات رجل وتنتهي بمثل ما بدأت به، وكان ذلك ثقيلا جدا علينا وكئيبا أيضا، فقررنا ولا حاجة لإخباركم من صاحب المقترح أن نرتدي عباءاتنا ونقاباتنا عندما تدخل معلمة المادة أستاذتي الدكتورة حواء هوساوي (أستاذ الآن في كلية التربية) على اعتبار أن الحصة هي عزاء لكل الموتى أبطال المسائل في المادة.
وبمجرد دخول أبلة حواء كنّا كلنا متشحات بالسواد إلا أعيننا المشاغبة، لكنها بهدوء الخبيرة تجاهلت ما فعلنا وبدأت الشرح والنقاش ونحن نتطلع لبعضنا البعض متسائلات؛ أي قوة هذه التي منعتها من الغضب أو الضحك أو أي ردة فعل؟! وبدأنا بسبب عوامل الحر نتخلص شيئا فشيئا من خطة إزعاجها التي هي في نظرنا مداعبة.
أفكر بهذا الموقف وأتساءل ماذا لو حدث ذلك مع معلمة في غير شخصية دكتورة حواء، هل ستصرخ غاضبة وتسرع نحو المديرة وتخسر حصتها وأعصابها في التفتيش عن مقاصد جوقة مراهقات الضحك والعبث يأتي أولا في حياتهن والقليل من المسؤولية يأتي في ما بعد؟.
في الواقع ليس من الهين أن تكون مسؤولا كمعلم ومربٍّ، لكنك منذ اللحظة التي وقعت فيها على قبول الوظيفة والراتب صرت ملزما بذلك وملزما أكثر باحتواء هؤلاء الطلاب.
أعرف من سبع سنوات قضيتها معلمة أن كلمة احتووا الطلاب هي في نظر المعلمين عبارة جارحة وتدل على عدم تقدير أو رؤية حقيقية للموقف من قبل المدير أو القائد كما يسمى الآن أو مشرفي المكاتب التعليمية.
إن المعلمين يقولون أنتم لا تعرفون ماذا نواجه داخل الفصول، فبعض هذا الجيل أصبح وقحا حتى مع والديه فكيف بنا نحن؟! نحن لا نملك أي حق في عقابهم ليهدؤوا فكيف نحتويهم؟!.
في الحقيقة هذه العاصفة الاحتجاجية التي ستواجه أي شخص يتجرأ ويقول احتووا الطلاب لن يوقفها إلا المعلم نفسه عندما ينظر إلى وجهه في المرآة ويسألها حسنا ما البديل؟
إذا كنت أرفض الاحتواء ماذا علي أن أفعل لأكون ناجحا في عملي؟
إن عملك هو تأثيرك الإيجابي على هؤلاء الطلاب، وهذا لن يحدث أبدا بدون الاحتواء، كما أنك لا تستطيع أن تحتوي شخصا لا تعرفه، والطريقة لمعرفة الطالب هي بقراءة خصائص مرحلته السنية وتفهم كل مظاهرها ثم توطيد العلاقة معه، وهذا لا يحدث إذا لم تكن جيدا في مادتك، مجتهدا في التحضير لها، مطلعا على الجديد في أساليب التعليم وطرق التدريس ووسائل التشويق.
عندما تكون مستمتعا بعملك سيستمتعون معك، وستتمكن من احتوائهم ليكونوا عونا لك في تدريسك، واليوم تأتي توصيات الخبراء بدفع الطالب ليكون فعالا في الحصة يشرح نقطة ويسهم في مساعدة المتأخرين من زملائه، بل يقود الحصة، وكل ذلك لن يحدث إذا لم تحتويه وتصبح ملهمه وحبيبه وأخاه الكبير أو أباه في نظره.