بعد كارثة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، أصبح الأوروبيون أكثر وعيا من أي وقت مضى بالحاجة إلى أوروبا أقوى، وإلى قوة دفع لتجمُّع أوروبي جديد. ومن أجل الوصول إلى ذلك الهدف، فنحن بحاجة لقوة جاذبية لكسب الناخبين بمستوى الأفعال، وليس بالأقوال فحسب. فبعد انتخابات الخريف في ألمانيا والنمسا، لن يكون لدينا أي عُذر للتأخير خاصة، لم يتبق لنا سوى 18 شهرا قبل إجراء انتخابات الاتحاد الأوروبي في 2019.
يحتاج الاتحاد الأوروبي إلى تحديث عمله الأساسي، ولذا فإننا لا نريد فقط «سيناريوهات» مجردة لمستقبل الاتحاد. علينا أن نهتم بالمضمون، ونطالب أن يُظهر رئيس الاتحاد الأوروبي جان كلود جونكر شجاعة ورؤية ثاقبة في خطاب «حالة الاتحاد» هذا الأسبوع.
وبكل صراحة، فإن المشكلة الحقيقية في الاتحاد الأوروبي تكمُن في المجلس الأوروبي، الذي كثيرا ما يمارس حق النقض الذي يقوِّض القرارات التي تتخذها المفوضية الأوروبية والبرلمان.
وإن مراجعة معاهدات الاتحاد الأوروبي لمعالجة هذا الأمر لم تعُد أن تكون محرَّمة. ولذا يجب تغيير هيكل الاتحاد الأوروبي إذا أردنا المزيد من الديمقراطية والتوازن الأفضل في كيفية عملنا. كما أن تعميق الديمقراطية سيجعل الإدارة الاقتصادية أكثر فاعلية وشفافية.
ويتعيَّن على جونكر أيضا طرح اقتراح طموح حول زيادة موارد ميزانية الاتحاد الأوروبي. فمن ناحية يدعي الاتحاد الأوروبي الاضطلاع بمزيد من المهام، ومن ناحية أخرى تدعو الدول الأعضاء إلى خفض ميزانية الاتحاد، وبالطبع لم يعُد ذلك مقبولا.
والشيء نفسه يمكن أن يقال عن نهج الاتحاد الأوروبي إزاء الهجرة. وعلينا أن نغيِّر رؤيتنا لإفريقيا، من قارة المشاكل إلى قارة الفرص. وينبغي أن نتطلع إلى إفريقيا كشريك حقيقي. وعلينا معا أن نهيئ فرصا للاستثمار، وأن ندافع عن حقوق الإنسان، ونعزز التعليم والديمقراطية.
هناك أيضا قدر كبير من العمل الذي ينبغي القيام به عندما يتعلق الأمر بالإرهاب. إن الهجمات التي هزَّت القارة هي نتيجة، من بين أمور أُخرى، الاندماج الفاشل والتغييرات الجيوسياسية وانعدام التعاون على مستوى الاستخبارات بين الدول الأعضاء. ويحتاج الاتحاد الأوروبي، على وجه السرعة، إلى تمهيد السبيل لإنشاء نظام استخبارات اتحادي أوروبي لمنع وقوع هجمات في المستقبل.
وربما تكون التجارة أهم مجال يتعيَّن على الاتحاد الأوروبي أن يُظهر فيه لمواطنيه أنه قد تعلَّم من أخطاء الماضي. ويجب أن تصبح أوروبا المختبر الأكثر تقدما في العالم من أجل اقتصاد مستدام. وهذا يعني أيضا قيادة الجهود العالمية لتنفيذ طموحات اتفاق باريس.
وينبغي للاتحاد الأوروبي ألا ينسى الرعاية الاجتماعية، وبالتالي لا بد من اتخاذ خطوات ملموسة لضمان استفادة جميع الأطفال الذين يعيشون في الفقر من الرعاية الطبية والتعليم المجاني والسكن اللائق والنظام الغذائي السليم.
وأخيرا، يعتمد مستقبل أوروبا على قدرتنا في إحداث تغيير حقيقي خلال الأشهر الـ18 المقبلة.
جياني بيتيلا*
* زعيم مجموعة التحالف التقدمي للاشتراكيين والديمقراطيين في البرلمان الأوروبي – مجلة (بوليتيكو) - الأميركية