دونت إحدى الأكاديميات الحاملات لحرف الدال فيما يخص إعصار «إرما» الذي ضرب منطقة الكاريبي والولايات المتحدة الأميركية على موقع تويتر فغردت «خوفهم من الإعصار هربوا جماعات، كم بطشوا وطغوا وظلموا. لله جنود يسلطها على من يشاء، فعقوبات الله لا تتكلم وتخبر أنها عقوبة»، في الواقع ليست هذه الأكاديمية الوحيدة التي كتبت ودونت مثل هذه التغريدات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تعبر عن الفكر ذاته، إنما هناك الكثيرون، فهذه أستاذة جامعية أخرى غردت قائلة «إعصار إرما سرعته كسرعة الطائرة.. جندي من جنود الجبار.. اللهم سلطه على أعدائك، واجعله بردا وسلاما على كل مسلم».
وليس غريباً أن نشاهد مثل هذه التغريدات عند حدوث أي كارثة طبيعية في بلاد الغرب، إذ دائما ما تنطلق في عالمنا العربي والإسلامي موجات من ردود الفعل مصاحبة لهذا النوع من الكوارث عادة، موجة هي خليط من
تشف وفرح في مصائبهم ومحاولة إضفاء لمسة دينية تعزي ما حصل إلى غضب إلهي يقترب من انتقام أو نوع
من أخذ الثأر من الكفار الذين يعيثون فسادا في بلاد المسلمين.
إنني أتساءل: كيف يحلو لأساتذة جامعات أن ينشروا تغريداتهم المشينة بأسمائهم الصريحة؟ ما هو الحال إذن في القاعات الجامعية؟ ما الفرق بين هؤلاء وبين البسطاء الجهلة الذين يفرحون لمصائب الناس؟ حقيقة، لا أدري كيف يمكن لدكتورة جامعية في القرن الواحد والعشرين أن تبتهج لمقتل ضحايا مثلنا مثلهم، منهم أطفال لا حول لهم ولا قوة؟
كيف لا زلنا، وإلى هذا العصر، نرى في العنف حلا؟ إنها عنصرية مقيتة، وكراهية فجة، تغلفنا من قمة رؤوسنا وحتى أخمص أقدامنا! أي نوع من المتناقضات تعيشها مجتمعاتنا؟! بشر نصفه الأول يعيش الإنسانية فيبكي على المسلمين ويترحم عليهم، ونصفه الآخر وحشي يهلل فرحا لموت الأطفال والنساء المخالفين لنا في الدين!
كيف لهؤلاء أن يغيروا ويبدلوا مفهوم الإسلام من دين التسامح والمحبة والسلام، ويحولوه إلى دين الكره والشماتة؟ أن تبكي على المسلمين في بورما، فهي إنسانيتك التي نشاركك فيها، ولكن أن تشمت بضحايا إعصار إرما من الرجال والنساء والأطفال في الوقت ذاته، فهنا تسقط كل ذرة من إنسانيتك، بل ولم يبق لها أي حيز من الوجود. كيف غابت الإنسانية فينا؟ أين قيم التراحم والتعاطف الإنساني؟ وأين كرامة الإنسان التي أمرنا الله برعايتها؟ لا نخجل أن نعلن على الملأ أن إنسانيتنا ورحمتنا وتعاطفنا للمسلمين فقط، ثم نغضب إذا اتهمنا العالم بالتعصب والعنصرية!
والأدهى والأمر أنه لا يخطر ببال من يشارك في مثل هذه المدونات والتغريدات عن التعقل أن كوارث الطبيعة تصيب كل البشر وبلاد الإسلام كذلك تضربها الكوارث الطبيعية، ألم تضرب الزلازل المدمرة قلب العالم الإسلامي عدة مرات، كما حدث في تركيا ومصر والجزائر؟ وهنا ينطلق العقل التبريري ليخبرك بأن هذا ابتلاء إلهي للمؤمنين، إذن نحن إزاء فكر عنصري وجهان لعملة واحدة يقلبها العقل التبريري بين أصابعه، وهي أن الرب المنتقم سوف يأخذ حقنا من الأمم الكافرة بتدميرها، أما إذا وقع علينا ما يقع على الآخر الكافر، فإن التبرير الجاهز أنه اختبار وابتلاء لصبرنا ما يجعلنا ندخل في دوامة دروشة عنصرية مجتمعية تقودنا إلى دائرة مغلقة من اللاعقلانية واللاإنسانية.