مؤسسة الفكر العربي حققت نجاحات مهمة في مسارات متعددة يكمل بعضها بعضا، أول هذه النجاحات تنظيم مؤتمرها السنوي بحضور عربي كثيف نادر، فهو حضور طوعي يتحمل نفقات نفسه، وهو ليس حضور حفلات افتتاح أو ختام، بل حضور ندوات مكثفة ونقاش، وحضور سياسيين ومثقفين ومفكرين يلتقون وجها لوجه، مع ما يصاحب ذلك من حضور شبابي لافت، وتكريم للمبدعين في حقول مختلفة. وثاني نجاحاتها: إطلاق تقرير التنمية الثقافية السنوي الذي صدرت نسخته الثالثة هذا العام، وهو تقرير يلخص الواقع العربي في شتى مجالاته التنموية دون رتوش. أما ثالث النجاحات فهو تأسيس مركز الدراسات، وتوقيع مذكرة التفاهم مع محطة (أورو نيوز) الناطقة بعشر لغات بهدف التواصل مع العقول المهاجرة وإعطاء الصورة الحقيقية عن الواقع العربي وتكريس قيم التسامح والتواصل والحوار مع الآخر، ومع أهمية النجاحات السابقة التي حققتها المؤسسة على مدار العقد الأول المنقضي من عمرها فإن أهم نجاح حققته من وجهة نظري هو أنها شكلت من نفسها مرآة يستطيع العرب جميعا أن ينظروا فيها ليشاهدوا بوضوح وصدق وموضوعية واقعهم - المتخلف – في شتى المجالات، ويرون أيضا سبل الخروج من هذا الواقع المتخلف إن هم أرادوا، نعم نجحت المؤسسة في ذلك نجاحا باهرا ووضعت العرب كلهم أمام أنفسهم بهدوء وبدون خطابية أو تشنج، فالمؤسسة لا تملك فرض رأيها على أحد، ولا تطالب أحدا بدعم مسيرتها، وإنما تطرح ما لديها للجميع، فمن أراد الأخذ منه وبه فله ذاك، ومن لم يشأ فلا تثريب عليه، لكنها مستمرة في كشف الخلل وتعرية القصور مع توضيح سبل العلاج والتلافي، والمؤسسة كما هو واضح متفائلة بأن مدمن الطرق للأبواب سيلج، يدعمها في ذلك واقعيتها وعلميتها ومنطقيتها في التشخيص والعلاج، ومع أن العرب بصورة عامة يتوقون إلى مستقبل أفضل، ويتطلعون إلى مشاركة العالم مشاركة فاعلة في رسم خطوط هذا المستقبل الأفضل كما هو طرح مؤتمر فكر 9 هذا العام، إلا أن هناك مثبطات كثيرة وهناك عوائق كبيرة لخصها وناقشها وعالجها المشاركون في المؤتمر بشفافية ووضوح، وهي مثبطات وعوائق معروفة ومشهورة منذ أكثر من نصف قرن، لكن لا بأس من الإعادة وتقليب فطائر الحلول على جمر التطلع والانتظار.

مؤسسة الفكر العربي نجحت في تشخيص الماضي والحاضر العربيين وحددت مثبطات نهضته وعوائق تطوره، ورسمت سبل الخلاص وطريق المستقبل المضيء والواعد في ضوء ما يملك الوطن العربي من إمكانات وقدرات بشرية ومادية هائلة، ورسالة المؤسسة الاختيارية موجهة إلى الأنظمة والشعوب العربية، فمن يبادر إلى تلقف الرسالة وسحبها من آفاقها النظرية إلى الواقع التطبيقي؟ هذا هو السؤال الذي سيجيب عليه المستقبل العربي.