ما إن تبدأ أفواج الحجاج اليمنيين بالتوجّه إلى بيت الله الحرام في مكة المكرمة، حتى يبدأ الأطفال، ومن خلفهم كبار السن، بنصب أعمدة «المدرهة» (أرجوحة)، وترديد أهازيج وأغان، متمنّين للحجاج أن يتقبل الله منهم ويعيدهم سالمين.

و«المدرهة» من أشهر العادات والتقاليد اليمنية المرتبطة بموسم الحج، خصوصا في «صنعاء القديمة» بالعاصمة، ويتم تركيبها في الحدائق العامة وأحواش المنازل والبساتين، عن طريق نصب عمودين خشبيين أو حديديين، توضع فوقهما خشبة ثالثة، يتدلى منها حبل توضع في وسطه خشبة صلبة، في انتظار استقبال من يتطلّع إلى ممارسة هذا الموروث اليمني.

فعاليات ثقافية مصاحبة

الكاتب والباحث في التاريخ اليمني، الروائي محمد الغربي عمران، قال إنّ «المدرهة، وهي مناسبة تراثية، تم مؤخرا توظيفها سياسيا بشكل أفقدها هدفها الرئيسي». عمران أضاف، أن «المدرهة كانت ترفق قبل الحرب بفعاليات ثقافية يحضرها الآلاف من اليمنيين مع بدء موسم الحج، ضمن تظاهرة ثقافية لإحياء هذا الموروث، بمشاركة لافتة للنساء». ولفت الباحث اليمني إلى أنه «تم خلال الأيام الماضية تنظيم تظاهرة المدرهة، غير أنه جرى توظيفها سياسيا، حيث ألقيت خلالها خطابات كراهية لا تخدم الناس البسطاء».

وهو «توظيف» قال عمران إنه «لا يمنع إصرار اليمنيين على إحياء هذا الموروث على الصعيد الفردي، وخصوصا في صنعاء القديمة، حيث بإمكان المارة في أحيائها سماع أصوات البنات وهن يلعبن على المدرهة، ويردّدن أهازيجها المعروفة».

ومضى قائلا إن «النساء في صنعاء القديمة يزين حبال المدرهة بالمشاقر (زهور محلية)».

 اختلاف يصنع خصوصية

ارتبطت «المدرهة» في اليمن بالزمن القديم، أيام الحج على ظهور الجمال والبغال، حيث كانت فترة الحج تستمر من 3 إلى 4 أشهر، دون وجود وسائل اتصال بين الحاج وأهله، ما جعل «المدرهة» وسيلتهم الوحيدة لبث أشواقهم وأمانيهم له بالعودة سالما. ومن منطقة إلى أخرى تختلف الأسماء التي تطلق على تلك الأعمدة الخشبية والأنابيب الحديدية، المنصوبة سنويا بالتزامن مع موسم الحج، تماما كما تختلف الأهازيج التي ترافقها.

ففي «تهامة» غربي اليمن، لا تقام «المدرهة» كثيرا، وتقام بدلا عنها فعاليات دينية وخطب وأشعار، نظرا إلى الطبيعة «الصوفية» المهيمنة على المحافظة.

ويستخدم سكان العاصمة صنعاء والمناطق المحيطة بها اسم «المدرهة»، في حين يصطلح سكان المحافظات الشرقية على تسميتها بـ«المدرهية».

الأغاني والأهازيج المرافقة لهذا الموروث تختلف بدورها من منطقة إلى أخرى، وفق عادات ولهجات وتقاليد كل واحدة منها.

في صنعاء مثلا يردد السكان «تواشيح دينية»، وهي أناشيد وأشعار مستوحاة من التراث الزيدي. وليحصل كل شخص على دوره في «المدرهية» يخضع الجميع لنظام خاص توارثه اليمنيون عبر الأجيال، حيث يخصص الصباح والعصر للأطفال ومن يحضرون مصحوبين بعدد من النساء، فيما يحصل الشباب والرجال مساء على نصيبهم من الحدث.

ويردّد اليمنيون أثناء لعب «المدرهة» أهازيج خاصة بموسم الحج، تكون في أغلبها أدعية للحجاج من أجل أن يحفظهم الله، وأن يتقبل منهم حجهم، وأن يعيدهم إلى ذويهم سالمين.

ومن بين الأهازيج والقصائد الشهيرة في صنعاء القديمة: «لو تبسروا (تنظروا) يا حاضرين، حين قال مع السلامة، لا.. والمسبح (المؤذن) قام صاح، وشل بالجلالة (ردد اسم الله)، صرَّ المكان من وحشته، ودمَّعوا جهاله (بكوا أطفاله)».

أما في مأرب وبعض المحافظات الشرقية، فتردد أهازيج أخرى.