«رأسه ينمو سريعا بشكل خطير» كانت هذه هي كلمات أمي، دائما ما ترددها على جاراتها عندما يقمن الأخيرات بزيارتنا في المناسبات أو الأعياد، حيث إن أمي توقفت عن اصطحابي معها عند خروجها للتسوق في الإجازات أو الزيارات العائلية.
أصبح رأسي كبيرا جدا حتى إني أصبحت أتدحرج خلفه يوما بعد آخر، والغريب أني لا أشكو من ألم عدا بعض الأفكار الغريبة التي تراودني يوما بعد يوم.
يا إلهي إن في رأسه شيطانا ينمو، لم تصدق أمي حديث تلك المسنة التي جاءت لرؤيتي عندما كثر حديث القرويين عني، وأصبحت منذ ذلك اليوم تحرص على تعليق الأحجبة حول رقبتي، وقراءة بعض السور القرآنية وإطعامي الحبة السوداء لصرف الشيطان عني كما نصحتها تلك العجوز، وتطبيبي بوضع اللبخات الحارة تارة، والباردة تارة أخرى على رأسي الضخم من الحناء والأعشاب.
كنت بالأمس أتدحرج خلف رأسي المثقل، أما اليوم فإني لا أستطيع الحراك، فقد غدا ضخما جدا، ولم يعد يمكنني تمريره من خلال فتحة الباب.
ينمو الشيطان برأسي يوما بعد يوم، فيستحوذ على عقلي، وأبدو أكثر شرا كما تتناقل النسوة الحديث.
هذا الصبي مبارك، وله إمرة على الشيطان، ويستطيع فك السحر وشفاء المرضى، عادت تلك المسنة تقولها عندما زارتنا بالأمس، وأخذت تنظر في عيني التي تضاءل حجمها، ولم أعد أرى كثيرا، ذاع صيتي أكثر عن ذي قبل، وأصبحت تحضر لي النسوة أطفالهن المرضى لأمسح بيدي على رؤوسهم مقابل بعض النقود أو الطعام، كما أني برعت في شفاء السحر ولوثة الجنون! حقيقة لا أعلم كيف ولا من أين لي هذا الطب! وفي كل مرة أضع يدي على رأس مجنون يتحرك شيء ما في رأسي فينمو وينمو، حتى بات كوخنا لا يتسع لرأسي، وبدا لي أني أعيش في الظلام، فلم تعد عيناي تقوى على رؤية العالم الذي بدا أصغر بكثير مني.
كنت مقيدا منذ طفولتي بهذا الرأس، ومصدر شفقة للجميع، أما الآن فالجميع يغبط أمي على وجودي، فإن كبر رأسي بات مصدرا للرزق، ولم يعد أحد يعبأ بألمي، ولا بذلك الشيطان الذي يسكن رأسي الكبير وينمو بجنون.
بات الكوخ يتشقق من كبر رأسي حتى أفقت ذات صباح فإذا بي في العراء والهواء يضرب في رأسي من جميع الجهات، والشمس تشرق في وجهي، والنور يدخل رأسي، فيتضاءل رويدا رويدا حتى غدا بحجم حبة الحمص.