لا أعتقد، بل أنا على ثقة تامة، أن معالي الدكتور توفيق الربيعة، وزير الصحة، لن يرضى أبداً بحالة طفل سعودي، في الرابعة عشرة من العمر، نائم على السرير الأبيض للشهر الثامن على التوالي، وصائم لا يستطيع حتى أن يبلع حبة دواء. قصة هذا الطفل مأساة مكتملة وتتزايد أوراقها الطبية الموغلة في الألم والحزن، تحت إهمال وتسويف الهيئة الطبية العليا بالوزارة الموقرة، التي برهنت على صنعها لكل الحقائق والبراهين وعلى التسويف الذي يجعل من كل يوم في تأخير الأمر بعلاجه خطوة لقتل الأمل النهائي. أخشى يا صاحب المعالي أن نصل إليه ولكن..... فات الميعاد.
أنا يا صاحب المعالي، نادر جداً ما أكتب عن حالات فردية. وحين أكتبها لا أختار منها سوى ما يستقر في الضمير وأجمع لها كل الأوراق، ولك وللهيئة الطبية أن تحاسبني على كل ما يمكن أن ترونه معلومة ناقصة أو مضللة.
كل خوفي يا صاحب المعالي، أن يخفي الحجاب وصول قصته إلى مقامكم الكريم.
أصيب هذا الطفل بمرض نادر جداً، بل هو بالتصنيف الباتولوجي الصرف، من أندر الأمراض التي تصيب الإنسان. مرض قصور عمل الأمعاء الذي يؤدي إلى تآكلها وبالتالي لا بد أن يخضع لعدة عمليات استئصال للأمعاء وصلت به إلى الحد النهائي. وهذا يعني بالضبط أن المريض لن يستطيع بعدها تناول أي طعام أو شراب أو دواء تبعاً لعدم وجود جهاز هضمي يستطيع الامتصاص أو الإخراج، وبالتالي سيبقى تحت رحمة التغذية الوريدية في كل شيء. لكنها حل جزئي مؤقت بشهادة كل الاستشاريين، وتوقيعاتهم وتقاريرهم التي تؤكد أنها وسيلة طبية ستفضي حتماً إلى فشل الكبد وتسمم الدم، ثم دخوله إلى دورة أمراض تلقائية لهذا الفشل فيما بعد. وبمخاطبة كل المستشفيات المرجعية الوطنية «التخصصي، الحرس الوطني، القوات المسلحة، الجامعي» وبكل فروعها تؤكد
كل تقارير الأطباء الكبار بهذه المستشفيات أن هذا الطفل المريض يحتاج إلى زراعة أمعاء عاجلة، وكلهم يؤكدون أن هذا النوع من الزراعة غير متوفر أبداً في كل المنظومة الصحية المحلية.
سبق لنفس الحالة أن ظهرت لدينا لثلاثة أطفال من قبل، وكلهم أرسلوا إلى الولايات المتحدة للعلاج. وفي حالة هذا الطفل تواصل استشاريو مستشفى جامعة الملك عبدالعزيز مع مركز أميركي متخصص أبدى استعداده لعلاج الحالة وزراعة الأعضاء، وتم حتى التنسيق مع الملحق الصحي بواشنطن، ولكن: كل هذه الأوراق والحقائق الطبية المدموغة بالبراهين تذوب وتتلاشى على طاولة الهيئة الطبية الوزارية. الكارثة أنهم من كبار الأطباء ويعرفون الحقيقتين: أنه مرض نادر جداً وأن علاجه لا يتوفر تماماً داخل المملكة. هذا الطفل يا معالي الوزير يتمتع بكامل الوعي، وبالنسبة لي فهذه هي الكارثة الإنسانية في قصته. الوطن ثم أنت من كل خير أقرب. هو أمانة بين يديك فهل تصلك حالته!