في الأسبوع الماضي، أنهى مؤتمر الاستثمار الخليجي الأفريقي أعماله في العاصمة الرياض، وأصدر مجموعة من التوصيات التي تعزز الصلة بهذه القارة (الكنز المدفون) فقد أوصى المؤتمر بإنشاء صندوق خليجي أفريقي مشترك لدعم الصادرات.. وأوصى بتشجيع تأسيس شركات خليجية في الزراعة وتشجيع إقامة المعارض والملتقيات بين رجال الأعمال في الجانبين كما أوصى بإنشاء مكتب إقليمي خليجي أفريقي لتسهيل الإجراءات وتقديم المعلومات لرجال الأعمال ودعا إلى توقيع اتفاقيات تسهل تدفق السلع والخدمات ورؤوس الأموال ودعا المصارف وبيوت المال إلى الالتفات إلى أهمية أفريقيا وفتح الفروع فيها.

وأكد المؤتمرون أن العلاقات الاقتصادية والاستثمارية بين دول مجلس التعاون وقارة أفريقيا لا تزال دون المستوى المطلوب.

ولعل مستوى اهتمام وسائل الإعلام الخليجية بنشاط المؤتمر وما دار فيه من مناقشات يعكس مدى الحماس والاقتناع بأهمية هذه القارة.. فقط اقتصرت تغطية المؤتمر في وسائل الإعلام الخليجية ـ طوال الأسبوع ـ على الأخبار والنشاط (البروتوكولي) ولم تعن بمناقشة أهمية القارة الأفريقية لهذه المنطقة ولم نقرأ أو نشاهد ندوات وتحليلات معمقة حول هذا الموضوع وكأن "المجموع" لا يعطي القارة الأفريقية أهمية.

والحقيقة التي لا بد من الإشارة إليها هي أن توصيات المؤتمر وقراراته ليست جديدة، فليست المرة الأولى التي نسمع أو نقرأ فيها بأن العلاقات الاقتصادية والاستثمارية بين دول الخليج والقارة الأفريقية ليست على المستوى المطلوب..

فما هي الأسباب الحقيقية التي تبقي العلاقة الاقتصادية بين دول الخليج وأفريقيا دون المستوى المطلوب

ـ حسب رأي الطرفين؟ـ.

قبل محاولة الإجابة على سؤال عريض بهذا القدر نذكر بحقائق معروفة للكثيرين وهي أن القارة الأفريقية لديها مشاكل حقيقية طاردة لرأس المال الباحث عن الربح السريع المريح..

ولكن مع كل هذه المعوقات والعلل والأمراض والأسباب الطاردة تبقى أفريقيا مهمة لمن يفكر، على المستوى الاستراتيجي، فهي تتمتع بمميزات تغري الباحثين عن الأرباح حيث الأيدي العاملة الرخيصة والخامات الوافرة والاستهلاك المتنامي والأراضي الزراعية الخصبة والمياه الوفيرة.. ولهذا تبقى "مخزناً" حقيقياً لمن أراد أن يكون له رصيد غذائي يحميه من قبضة القوة التي تحتكر مصادر الغذاء. هذه القارة التي "تستوطنها" المشاكل تحتضن "كنزا ويجري في أرضها نهر" من الفرص الاقتصادية وتشكل "حزاماً" أمنياً واستراتيجياً لمنطقتنا وليس من ثاقب الرؤية أن نوليها ظهورنا خاصة وأن لنا فيها جسوراً ومراكز تأثير منذ القدم.. فهناك "المشترك" الثقافي الروحي الذي يربط إنسان أفريقيا بهذه الأرض. وستبقى هذه الجسور ـ إذا حافظنا على أسباب بقائها وصناها بالرعاية والاهتمام ـ سبباً جوهرياً يذلل العقبات ويزيل الحواجز أمام التواصل حتى وإن كانت هذه الجسور علاها "غبار" الإهمال في فترات متقطعة ووضعت "الحواجز" السياسية والضغوط الخارجية قيوداً على التواصل إلا أنها تبقى هناك.

هل يحق للمتأمل أن يسأل: هل يدرك العرب ـ الخليجيون بصفة خاصة ـ حجم الخسارة التي تلحق بآفاق استثماراتهم وتنمية اقتصاداتهم وتأثيرهم السياسي حين يتركون المجال الأفريقي للخصوم والمنافسين السياسيين والاقتصاديين؟. للأسف الشواهد كثيرة على "التهاون" العربي بهذه القارة المهمة، ويمكن الحديث عن المواقف وضرب الأمثلة الكثيرة على هذا التهاون أو الإهمال طيلة السنوات الأخيرة لكن ما يجري في جنوب السودان يكفي من شواهد التفريط في هذه القارة والانسحاب منها!.. جنوب السودان سينفصل عن شماله خلال الشهر المقبل ـ لست الذي يقول ذلك بل أهله في الشمال والجنوب ـ وهذا الانفصال يعني وجود دولة جديدة تقع على أهم مخزون للمياه يغذي أكبر دولة عربية. وقضية جنوب السودان تصلح درساً لأخطاء الانشغال بالقضايا المرحلية (التكتيكية) عن القضايا بعيدة المدى (الاستراتيجية).. كان العرب، بعد انحسار المد القومي وتراجع مشروع التضامن الإسلامي، تهاونوا في الاهتمام بالقارة الأفريقية لأسباب عديدة منها فتور "التنافس" بين جناحي العمل السياسي في الوطن العربي بعد حرب 1967.. وانشغال البعض بإدارة الثروة المالية الكبرى التي تدفقت في السبعينات وتركت آثارها السلبية على رؤى البعض وتقييمهم للأحداث..

والسؤال: هل يستطيع رأس المال وحده أن يتحرك ليبني الجسور بين الشعوب دون غطاء سياسي وحضور ثقافي؟. وإذا كان هناك اتفاق على أن التحرك السياسي وتعاظم النفوذ المبني على المصالح وتنشيط الذاكرة الثقافية يقوي من الحضور الاقتصادي ويمنحه الشجاعة ويكسبه الثقة فلماذا يتراجع الحضور السياسي والثقافي العربي في أفريقيا؟. لماذا يتحمس البعض لإقامة الأيام والمهرجانات الثقافية والفنية في فرنسا والأرجنتين وواشنطن وكازاخستان ولا يفكر في إقامة معرض في القارة الأفريقية؟. لماذا لم تنهض مؤسسة ثقافية، على مستوى العمل الجماعي في مجلس التعاون الخليجي لنشر اللغة العربية للراغبين فيها خاصة وأن الكثيرين من الأفارقة يرغبون في تعلم هذه اللغة؟. وإذا كان انتشار اللغة العربية بين شعوب العالم الإسلامي في الماضي يعود لأسباب دينية لأنها لغة القرآن والإسلام فقد انضاف إليه عامل جديد هو اقتصاد لأن اللغة العربية مدخل طبيعي لأسواق الدول العربية ـ الخليجية بصفة خاصة؟.

فلماذا نترك امتدادنا الطبيعي للآخرين ليلعبوا فيه ويوظفوا تأثيرهم السياسي والاقتصادي على جيراننا الأقارقة ليخصم من رصيد علاقاتنا معهم؟. لماذا نستهين ـ في السياسية وتدافع المصالح ـ بوزن أفريقيا ونتركها للآخرين؟.

أفريقيا تستحق من الخليجيين اهتماما أكبر لتحقيق المصالح لا لتبادل العواطف.