في أحد المحلات التجارية كان هناك سيدة غربية مسنة تتنقل بعكازها في قسم أجهزة الهواتف الذكية، كان تركيزها منصبا على الإصدارات الجديدة، تتفحص ميزاتها وتناقش البائع عن خصائص دقيقة، إلى أن عزم أمرها على اختيار أحدث جهاز عالي المواصفات والذاكرة من شركة ذات صيت عال.

لم تكتف بهذا بل طلبت تنزيل برامج حديثة فضلا عن مواقع التواصل الاجتماعي، غير أن الأمر يبدو لم يعجبها فبادرت مشرف الخدمة بقولها: «أرني كيف أحمّل البرامج بنفسي». اشتد إعجابي بهذه المسنة لأبعد الحدود، وشغلني الفضول بمتابعة أمرها عما جئت لأجله.

رغم عكازها الغليظ الذي قد تهوي به على رأسي إلا أنني استجمعت شجاعتي بالمداخلة لأسبر غورها، حييتها واستأذنت بالسؤال: أريد أن أشتري جهازا ولاحظت لديك كثير إلمام بالأجهزة والبرامج، فبماذا تنصحينني؟

تحدثت عن الأجهزة والبرامج فبادرتها؛ وما الذي يهمك في تلك البرامج العديدة، الإخبارية منها والاجتماعية؟ نظرت إلي متعجبة ربما من السؤال أو من ملامحي الأجنبية، ثم قالت: «يهمني معرفة ما يجري من حولي».

عزيزي القارئ هل يهمك أنت ما يجري من حولك؟ لا يعني هذا بالضرورة متابعة الأخبار والأحداث والاطلاع على كل البرامج الهاتفية والقنوات الفضائية اليومية والمباريات والمسلسلات بشكل متواصل. غير أن المراد

ألا يعيش أحدنا متقوقعا في عالمه الخاص، لا يعلم ما يدور في مجتمعه فضلا عن القرية الكونية التي يعيش على كوكبها الصغير المتسارع بالأحداث.

إن الشخص المطلع هو الذي يملك القدرة على التحدث في كل شيء، وأي شيء على وجه الإلمام وليس الإحاطة بأدق التفاصيل. هذا لا يعني بالضرورة أنك تملك المعرفة المطلقة بكل ما يدور في العالم، ولكن عليك أن تملك فكرة جيدة عن أغلب المتغيرات وما الجديد وما الذي يحدث سواء وسط مجتمعك المحيط أو على الجانب الآخر

من العالم.

 أذكر أنه في إحدى المناسبات الاجتماعية القديمة كان الصمت يخيم على الحضور في الصالة الكبيرة فأردت أن أدير حوارا ثنائيا مع الشخص المجاور لي، كانت يومها أحداث باريس وما حصل من هجوم على المجلة الفرنسية «شارلي إيبدو» جراء الرسوم المسيئة، تحدثت عن القضية لكن المفاجأة أن الأخ الكريم لا يعلم عن ذلك شيئا.

قلت، لعلك مشغول بالشأن العربي وما يحدث في دول الجوار فقال: آخر خبر سمعته عنهم من ثلاثة أشهر! نقلت الحوار إلى شؤون الطقس وزحام الرياض!

قد يتساءل البعض؛ ما الفائدة من متابعة الأحداث المتسارعة والأجهزة التقنية الأحدث؟ ربما الجواب الأنسب هو أنك ستكون شخصا أكثر حيوية مما يضفي عليك دائما روح الثقافة الشمولية، علاوة على أنك ستكون ملما بما يجري من حولك، الأمر الذي يصعب وقوعك ضحية اللغط والشائعات و«وضعية» اللاأدري في كل شيء.

يقع الكثير في مواقف محرجة نتيجة عدم الرغبة في الاطلاع والتعلم ومواكبة روح العصر، وربما يتعرض للازدراء لجهله في أمور تعد من المسلمات والمتعارف عليها، وكذلك قد يقع ضحية النصب والاحتيال خصوصا في الأسفار الخارجية.

هل تظن أن السيدة المسنة في أول المقال سيترصد لها شاب عند الصراف الآلي أو على الشبكة العنكبوتية ويستولي على أموالها أو معلوماتها السرية، لأنها لا تجيد التعامل مع الأجهزة المصرفية أو غيرها من أجهزة الحاسب والهاتف، كما يحصل في بعض الدول العربية؟

إن أكثر الناس نجاحا وسعادة واتزانا في الحياة هم الذين يكونون جزءا من هذا العالم، ولا يعيشون بمنأى عنه. وكذلك فإن أكثر الناس تحفيزا وجذبا لمن حولهم هم الذين يُبدون اهتماما بكثير مما يجري حولهم.

الاهتمام بالعالم الخارجي يصب في مصلحتك أنت لأنك تقوم بتنمية نفسك، تنمية عالمك الداخلي عن طريق العالم الخارجي، وبالتالي فأنت تخدم نفسك بالمقام الأول وليس العالم الآخر.