اختتم الأسبوع الماضي قادة دول الخليج العربي اجتماعهم في العام الثلاثين من عمر مجلس التعاون الخليجي، وهم بنفس الإصرار منذ الاجتماع الأول على ضرورة التنسيق المشترك بينهم في جميع القضايا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والعسكرية بدولهم. ويصعب علينا أن نغفل ونتجاهل الجهود الكبيرة التي بذلت من القادة السابقين وما زالت تبذل من القيادات الحالية للتنسيق المشترك بهدف التكامل الاقتصادي والسياسي والعسكري بينهم. ومع تقديرنا واعتزازنا بدور القادة الخليجيين إلا أن مخرجات التنسيق المشترك من مجلس التعاون الخليجي لم تحقق الطموحات الكبيرة لشعب الخليج. فالعديد من القضايا المطروحة أمام القادة منذ عشرين عاماً ما زالت تحت الدراسة والبحث عند بعض دول الخليج. فعلى سبيل المثال موضوع الاتحاد الجمركي كان مطروحاً منذ بدايات التأسيس وحتى تاريخه لم يستكمل تطبيقه، وكذلك مشروع وحدة العملة كان وما زال مشروعاً لم يتم الاتفاق عليه من جميع دول مجلس التعاون ورغم أن بعض المبررات لعدم اعتماده من بعض دول المجلس غير مقنعة وغير مبنية على أسس قوية مبررة وتنمي أن القناعات الشخصية والشكلية أكبر من القناعات الاقتصادية الشاملة لجميع دول الخليج، كما أن العديد من مشاريع التكامل الاقتصادي ظلت سنين حبراً على ورق ثم بدأت تتحرك تحرك السلحفاة لأسبابها المعوقة لتنفيذها، ومنها حلم أبناء الخليج في إنشاء سكك الحديد التي تربط دول الخليج بعضها ببعض وتربطهم بالمقدسات الإسلامية مكة المكرمة والمدينة المنورة، كما أن مشروع الربط الكهربائي ظل سنوات طويلة مشروعاً تحت الدراسة ثم تحت التنفيذ إلا أنه لم يستكمل حتى تاريخه لجميع دول الخليج. وحتى الآن لا تعترف بعض دول الخليج بالشهادات التعليمية أو الجامعية الصادرة من جامعات وكليات ومدارس أهلية معتمدة في بعض دول الخليج. كما أن البطاقة الخليجية الموحدة ما زال تطبيقها على أرض الواقع يعاني من الصعوبات في بعض دول الخليج، أما في السياسات الخارجية فما زالت بعض الدول الخليجية تغرد خارج السرب وتنفرد بمبادرات ومواقف اجتهادية قد تكون نتائجها إيجابية إلا أنها تفقد روح العمل الجماعي.

إن مستقبل اقتصاد دول الخليج في القرن الجديد هو هاجس في أذهان بعض من المفكرين والاقتصاديين وأنا أحدهم، حيث عند استرجاعي لوضع منطقة الخليج وشعوبها والتنمية فيها قبل مئة عام وقبل اكتشاف البترول وحتى في بداية اكتشافه كيف كانت وكيف أصبحت اليوم وقد لا يذكر البعض ذلك التاريخ وإنما عند قراءة التاريخ نجد أنه لم تكن هناك دول خليجية ولا توجد ملامح تنمية بالمفهوم العصري بمعظم دول الخليج، وكانت الحياة لشعوبها جداً صعبة وكانت الهجرة أكبر لمناطق الرزق والحياة. وخلال الخمسين عاما الأخيرة ساهم دخل البترول والغاز في إحداث نقلة حضارية لا يمكن مقارنتها بالماضي بل أصبحت منافسة لأكبر دول العالم وهي شهادة لقيادات دول الخليج التي استثمرت أكبر الإيرادات في تنمية البشر والحجر إلا أنها ارتبطت بإيرادات البترول والغاز كمصدرين أساسيين لدخل ميزانيات دول الخليج بنسبة تصل إلى 90% من إيراداتها، ويتسارع وينمو الطلب على البترول ويرتفع سعره وتتضخم إيرادات ميزانيات دول الخليج وتصرف معظم دول الخليج جميع إيراداتها. وبالرغم من أنه يقال إن أكبر الدول المنتجة للبترول المملكة العربية السعودية قد استنفدت 70% من مخزونها خلال الخمسين عاما الماضية من الآبار المكتشفة وهناك آبار أخرى لم تكتشف أو لم يتم الإنتاج منها إلا أن النتيجة النهائية هي أن البترول سينضب في يوم من الأيام وقد يكون بعد خمسين عاما أو سبعين عاما قادمة. وهنا أتساءل هل من مسؤوليتنا أن نخطط للأجيال القادمة أو نعيش يومَنا لآخر يومِنا؟ وماذا ستكون حالة دول الخليج ومواطنيها بعد نفاد البترول سريعاً من مخزونها لتلبية الطلب العالمي وهل سنرجع إلى الجمل والتمر والخيام أم إن هناك خططا وبدائل أخرى لا نعلمها حتى الآن؟. إن التنمية في دول الخليج تعتمد أساساً على البترول والغاز وبعض من الثروات المعدنية ماعدا المملكة العربية السعودية مركز العالم الإسلامي فإن بدائل دخلها متنوعة إلى حد ما، ولكن ليست بمستوى دخل البترول. وهذا هو السؤال الذي أطرحه دائماً على نفسي وعلى زملائي هل يبادر قادتنا في دول الخليج إلى تخصيص جزء من إيرادات البترول للبحث العلمي الهادف إلى إيجاد البدائل للطاقة وللاقتصاد أو الاشتراك مع مراكز بحث علمية عالمية للبحث عن بدائل للطاقة؟ لا سيما أن المملكة العربية السعودية قد أخذت مبادرة في هذا الاتجاه.

إن ما يدفعني إلى طرح هذا الموضوع للحوار وإبداء قلقي هو ليس خوفاً على مستقبل جيلي والجيل الذي يخلفني وإنما قلقي على مستقبل الأجيال القادمة. وأتساءل دائماً هل نحن مجبورون على تغطية احتياج الدول الصناعية حتى لو أدى الأمر إلى خفض المخزون الاستراتيجي للبترول للحدود الدنيا؟. أسئلة عديدة مطروحة في هذا المجال أتمنى على قادتنا في دول الخليج أن يطمئنونا على خططهم المستقبلية للأجيال القادمة. وإلا ستصبح التنمية في منطقة الخليج أطلالا نبكي عليها.