بحمد الله وتوفيقه، ثم بجهود ولاة الأمر وتفاني العاملين في موسم الحج لعام 1438، بدءا من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، ورئيس لجنة الحج المركزية الأمير خالد الفيصل، حتى أصغر المشاركين في إنجاح هذه الشعيرة التي تمثل الركن الخامس من أركان الإسلام، وبدعوات أكثر من مليار مسلم ينتشرون في كافة بقاع الأرض، حقق موسم الحج لهذا العام نجاحا لافتا على كافة المستويات، بدون تسجيل أي إخفاق أو فشل، وتمكن قرابة مليونين ونصف المليون حاج من أداء شعائرهم بكل يسر وسهولة، وبسلاسة تامة، وأمن كامل، تلازمهم عناية عشرات الآلاف من رجال الأمن والمسؤولين في كافة المجالات، الذين تسابقوا على تقديم أيادي العون لضيوف الرحمن، دون كلل أو ملل، وبرحابة صدر غير مستغربة على أبناء هذه البلاد، الذين رفعوا شعار «خدمة الحاج شرف لنا»، وطبقوه على أرض الواقع عملا وفعلا. شهد موسم الحج لهذا العام خدمات استثنائية، ترافقها عناية تامة، وتنفيذ كامل لخطة وضعها أبناء هذه البلاد، لم يغفلوا فيها جانبا، ولم يتجاهلوا جزئية، وإن كانت متناهية في الصغر، سهروا الليالي الطوال منذ عدة أشهر، تخيلوا فيها كل ما يمكن أن يحدث ووضعوا له حسابا، بدءا من تجهيزات الأمن والاحتياط لكل محاولة لتعكير صفو الحجاج برفع شعارات سياسية وما شابه ذلك، مرورا بإمكانية تفشي الأمراض، ولم يغفلوا أهمية توفير وسائل النقل الكافية لتيسير عملية الصعود إلى عرفة والنفرة إلى مزدلفة، قبل الحلول بمنى، ومعادلة تفويج الحجيج لرمي الجمرات والطواف والسعي، ومرت كل هذه العمليات وفق ما هو مخطط لها بدقة تعجز كافة دول العالم عن الإتيان بمثلها.
كان المشهد في المشاعر المقدسة في غاية الروعة، فالحجيج كانوا يؤدون مناسكهم في سكينة وأمان، دون أن يكدر صفوهم أي شيء. وكانوا يذهبون لرمي الجمرات في نظام دقيق، ويتنقلون بين المشاعر في انسيابية مطلقة. لم يشكو أحد من تأخير في التفويج أو عدم وجود وسيلة نقل، فالنظام كان سيد الموقف، والتعليمات واضحة بتنفيذ الخطة المرسومة بكل حذافيرها، والخطط البديلة لأي أزمات طارئة كانت حاضرة.
بدأت أولى بشائر النجاح قبل بدء الموسم، وكم كان خادم الحرمين الشريفين رائعا وهو يوزع مبادراته الخيرة على كافة دول العالم باستضافة الآلاف على نفقته الخاصة من أبناء وذوي الشهداء، في فلسطين ومصر والسودان، ومراعاة حالة الدول التي تمر بأحداث استثنائية مثل سورية واليمن، واستضافة حجاج دولة قطر، وإعلانه الواضح الصريح بأن الحج شعيرة إسلامية تسمو فوق كافة الخلافات السياسية، وأن المملكة تمد أياديها البيضاء لكافة دول العالم، دون تمييز أو مراعاة لأي مواقف سياسية أو خلافات، وعلى ذات النهج سار ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الذي آثر كعادته العمل في صمت ودون ضوضاء، والتركيز على تحقيق الأهداف المنشودة، دون الالتفات لأي أصوات ناعقة، متابعا لكل صغيرة وكبيرة وواقفا بنفسه على كل تفاصيل العمل المدهش الذي استوجب إشادة البعيدين قبل القريبين.
كذلك كان أمير مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل عنصرا أساسيا في ذلك النجاح، بإشرافه المباشر على كافة الفرق العاملة في الحج، مشددا على تقديم كافة أنواع المساعدة للحجيج، بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى، وأن الجميع هم ضيوف الرحمن ومن الواجب إكرامهم، وكانت كلماته واضحة وقاطعة وهو يؤكد النأي بالحج عن أي حسابات سياسية، وأن المملكة تتعامل مع هذه الشعيرة العظيمة وفق ما تقتضيه من اهتمام. وأنها تمد أياديها بالعون والسند لكافة الحجاج، وما ذكره خادم الحرمين الشريفين وأمير مكة المكرمة من معاني عظيمة أكدت عليها كلمة الشيخ سعد الشثري في خطبته أمام الحجيج، مشددا على أن هذه البلاد تتشرف بخدمة الحجيج، من كافة أقطار الدنيا، دون تصنيفات سياسية أو دنيوية، لأن الحج شعيرة دينية محضة.
رأى العالم في بث مباشر حجم العمل الذي تقوم به السلطات السعودية لمساعدة الحجيج وتذليل كافة العقبات التي تقف أمامهم، ومنظر رجال الأمن وهم يحملون الضعاف وكبار السن، وطريقة تعامل المواطنين مع الحجيج، وإيثارهم على أنفسهم، وكل هذه المشاهد العفوية الصادقة مثَّلت أبلغ رسالة، ردت على من حاولوا تغيير الحقائق والوقوف في وجه ضوء الشمس ومحاولة إنكاره، دون أن يدركوا أنه لا يحجب بغربال.
سيجد ضيوف الرحمن في كل عام إضافة جديدة في مشاعرهم المقدسة، وسيلمسون بأنفسهم مقدار الجهد الذي يهدف لإراحتهم وتمكينهم من أداء فريضتهم بكل يسر وسهولة. فالمملكة أعلنت أنها تسعى لإتاحة الفرصة لأكبر قدر ممكن من المعتمرين والحجاج، بطاقة تصل إلى 30 مليون سنويا، لكنها قبل ذلك تعمل على توفير المعينات التي تحقق ذلك الهدف، من توسعة للمشاعر وإكمال للبنية التحتية في مكة المكرمة والمدينة المنورة، وفق ما أكده الفيصل بالمضي قدما في تطبيق رؤية المملكة 2030 باستقبال 30 مليون حاج ومعتمر، وأن العمل يجري وفق الخطة المرسومة لتحقيق ذلك الهدف، عبر إجراء توسعة إضافية في المشاعر المقدسة، والمرافق الأخرى في مكة المكرمة.
سيأتي العام المقبل والأعوام التي تليه، وستمضي بلادنا في رحلة التفوق والنجاح في كل المواقع، لن تلقي كبير اهتمام لمن لا هم لهم سوى محاولة إعاقة الناجحين، وستواصل انخراطها في قضايا المنطقة والعالم، بنفس نهجها القائم على استشعار مسؤوليتها انطلاقا من موقعها ككبيرة العرب والمسلمين، حاضنة للحرمين الشريفين ومنطلقا لرسالة الإسلام، ستمد أياديها البيضاء للجميع، كما اعتادت دوما، تحمل في دواخلها الحب وتنضح بالخير للعالم بأسره. وفي المقابل سيظل أعداؤها يلوكون حسدهم ويجترون أحقادهم حتى تقضي عليهم مشاعرهم السالبة، فالنار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله.