يُقاس التطور العلمي والثقافي لدى الشعوب بما تنتجه من أبحاث علمية لها أثر عظيم في ارتفاع المستوى الحضاري والتنموي لكافة بلدان العالم... ونظراً للأهمية الكبيرة للبحث العلمي نرى تسابقا كبيرا بين دول العالم على الإنفاق على البحث والتطوير وتتصدر، الولايات المتحدة الأميركية دول العالم إنفاقاً بمبالغ سنوية تتجاوز الـ487 مليار دولار، والذي يعادل ما يقارب 2,7% من الناتج المحلي الإجمالي الأميركي، ولا ننسى التنين الصيني القادم بقوة بإنفاق سنوي تجاوز الـ 300 مليار دولار أميركي، وتشير الأرقام إلى أن إنفاق الجمهورية الصينية في هذا المجال سوف يتخطى القارة الأوروبية العجوز بحلول 2018، ومن ثم الكاوبوي الأميركي في عام 2022.

محلياً لا يزال الإنفاق العلمي البحثي دون المأمول رغم التطور البسيط في السنوات السابقة، ومحاولة اللحاق بالركب العالمي، حيث قامت مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية بدور ريادي من خلال خطتها الاستراتيجية للدعم والابتكار، وكانت رافداً جيداً للتحرك البحثي السعودي الذي مازال يحتاج إلى الكثير من البذل والدعم والتشجيع لمضاهاة الأمم في تطورها التكنولوجي والحضاري.

 أكاديمياً اكتشفت الجامعات السعودية أخطاءها الاستراتيجية في مجال البحث العلمي في آخر 20 عاماً حينما رأينا التصنيفات العالمية المتأخرة لأغلب الجامعات السعودية قبل بضع سنوات، وكانت المعضلة الكبرى في العدد المحدود جداً من الأبحاث العلمية الصادرة من أغلب الجامعات السعودية رغم وفرة كراسي البحث العلمي التي اشتهرت برذاذ الإنتاج وانتفاخ الأوداج بالميزانيات الضخمة. وقامت بعض الجامعات بدفع مبالغ ضخمة لباحثين عالميين من أجل إضافة أسمائها في الأبحاث تحايلاً منها، وذلك رغبةً في تحسين مواقعها في التصنيفات العالمية.

 كان برنامج (موهبة) الذي أطلق قبل أعوام أحد البذرات الإيجابية التي نتمنى استمراريتها ومراقبتها جيداً، نريد أن نرى النتائج وأين أصبح أولئك الموهوبون، نريد أن نقنع الجميع بأنَّ تلك السنابل المثمرة هم الاستثمار الحقيقي لبلد الحرمين، نريد أن ندعم أفكارهم ومواهبهم وبحوثهم، نريد أن نسلط الأضواء على المنجزات الحقيقية لهذا البلد، والبعد عن التطبيل والتهريج كما نرى في بعض الأخبار الصحفية عن اختراعات لا يقبلها العقل وعن مبالغات سامجة بدون طعم أو لونٍ أو رائحة، دعونا نبتعد عن الخبر الشهير المكرر بأن أحد مبتعثينا اكتشف علاجاً للسرطان وأتى بما لم يأتِ به الأوائل، وأن تلك المبتعثة أبهرت الغرب بمقدرتها الفذة حتى بكوا بكاء الأم الفاقدة لجنينها حين انتهاء بعثتها... تلك الأخبار قد تكون مسيئة أكثر من نفعها.

 طبياً تعاني الكثير من المؤسسات الطبية من عدم وجود أبسط المبادئ للبحث الطبي، وعدم تفهم الإدارات الطبية لأهمية دفع عجلة التطور والنمو، يعاني الطبيب من عدم وجود الدعم المادي، فالبحوث أنواع ومنها ما يحتاج إلى دعم لوجستي كبير من سكرتارية ومتخصصين في البحث الإحصائي ومتخصصين للتعامل مع المريض أو عائلته وإقناعهم بالانخراط في البحوث الطبية، يحتاج الطبيب لأن يكون هناك دافعٌ ما لأبحاثه، والدافع في معظم دول العالم هو الترقية الأكاديمية، ولكننا نعاني محلياً من تشوه تنظيمي قديم أدّى إلى عدم وجود نشاط أكاديمي لغالبية الأطباء السعوديين بسبب عملهم في وزارة الصحة أو القطاع الخاص أو بعض المستشفيات العسكرية غير المرتبطة أكاديمياً بالجامعات.

 بعيداً عن التنظير والبرجوازية قد نرى أنَّ بعض الحلول البسيطة قد تدفع العجلة البحثية الطبية السعودية إلى الأمام، ومنها:

1. ربط جميع المستشفيات السعودية الحكومية بمنظومة أكاديمية، بحيث يصبح للطبيب الباحث تميزاً أكاديمياً وترقيةً لتمييزه عن غيره.

2. ربط البدلات كبدل التميز بالترقية الأكاديمية بدلا من النمط السائد في التقييم والذي يقوم على معايير ضعيفة.

3. إنشاء قسم للأبحاث في جميع المنظومات الطبية بكامل تجهيزاته المادية والبشرية.

4. زيادة موازنة المراكز البحثية ومراقبة أدائها من جهات مستقلة، مثل مدينة الملك عبدالعزيز للبحوث والتقنية.

5.  يقوم مركز الاعتماد السعودي للمنشآت الصحية (CBAHI) باستحداث قائمة لجودة المراكز البحثية والعلمية للإشراف على جودة الأداء والتجهيز.

6.  تلزم المستشفيات والقطاعات الطبية بعدد معين من البحوث بشكل سنوي ونشر تقارير دورية للمقارنة بين القطاعات.

 لقد آن الأوان في ظل توجهات الدولة ورؤية 2030 في توطين صناعة المعرفة لكي نرى مملكتنا الغالية تسهم

في مجال البحوث والتقنية بدلاً من إنفاق الجهد والمال في أبحاث (أبوال الإبل).