على الرغم من التنبيه الصادر من وزارة الصحة، بحماية منسوبيها من العنف اللفظي أو الجسدي داخل المنشآت الصحية، إلا أن حدوث الاعتداء يتكرر من حين لآخر، إذ كان آخرها تعرض أحد الأطباء بمدينة سلطان في المستشفى العسكري إلى اعتداء جسدي من شخص صاحب رتبة عسكرية عالية!.
كما يشير نظام مزاولة المهن الطبية الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/59) بتاريخ 4/ 11/ 1426 إلى الرقابة على الطبيب خلال ممارسته عمله، وكفل حق المريض في المطالبة بالتعويض عن الخطأ الذي يقع من الطبيب، وفرض عقوبة جزائية عن الأخطاء التي تقع من الطبيب خلال ممارسته عمله، ولا بد أن يقابل ذلك حماية للطبيب ليتمكن من ممارسة عمله في هدوء وتركيز.
في هذا السياق، حذرت وزارة الصحة من مغبة الاعتداء على الممارس الصحي، سواء لفظيا أو جسديا، وعدّت الاعتداء على منسوبيها جريمةً يعاقب عليها القانون، وقالت الوزارة إن الاعتداء على الممارس الصحي لفظيا أو جسديا جريمة يعاقب عليها القانون بالسجن لمدة تصل إلى 10 سنوات، وغرامة تصل إلى مليون ريال.
أسئلة كثيرة تبحث عن إجابات: هل ما يحدث من اعتداءات لفظية وجسدية ظاهرة أم حالات فردية؟!
ما السبب وراء هذا التطوّر الخطير في العلاقة بين الممارسين الصحيين والمستفيدين من الخدمات الصحّية؟!
ما الحلول التي بالإمكان أن تسهم في القضاء على هذا السلوك المشين؟!
سأحاول في معرض إجابتي على الأسئلة أن أكون محايدا قدر الإمكان.
للأمانة، لم أستطع أن أخفي عاطفتي تجاه ما يحدث، وأترك لكم حق المشاركة بالموافقة وبالاختلاف:
1- لا توجد إحصاءات دقيقة كي يتم وضع ما يجري في حكم الظاهرة، ولكن بحكم عملي في المجال الطبي، فهذه الممارسات أشاهدها بصفة أسبوعية ضد من يعمل داخل المراكز الطبية والمستشفيات «إداري، فني، تمريض، طبيب، وغيرهم»، ولا أريد أن أبحث في الإحصاءات العالمية للاستشهاد بإحصاءات بعيدة عن مجتمعي، لأن مجتمعنا لديه خلفية دينية وثقافية واجتماعية تختلف عن تلك الدول التي درست هذه الظاهرة، فالمتوافر لدي هو ما يلي:
أكثر من 67% من العاملين في المستشفيات السعودية تعرضوا لظاهرة العنف خلال 12 شهرا الماضية، هذه الدراسة أجريت على 600 من الطاقم الصحي في اثنين من المستشفيات العامة بمدينة الرياض، النسبة هذه توزعت بين 76% عنفٌ ضد طاقم التمريض مقابل 51% ضد الأطباء.
العنف لا يميز بين أنثى وذكر، إذ إن العنف ضد الطاقم النسائي وصل إلى 63% مقابل 73% للرجال، لكن هذه الإحصاءات تعود إلى عام 2012، ونشرتها المجلة الطبية السعودية.
2. ما الأسباب؟ ألخصها فيما يلي:
- عدم تطبيق هذه الأنظمة التي ذكرتها في بداية المقال.
- ضعف وفقدان مهارة التواصل عند بعض العاملين في القطاعات الصحية.
- ضغط العمل على بعض المستشفيات، وسوء إدارة تحويل الحالات للمستشفيات المرجعية.
- ضعف إداري لمعظم هذه المراكز الطبية.
- ضعف وعدم منح صلاحيات كاملة لرجال الأمن بالمستشفيات. دورهم الحفظ على نظام العمل ومنع المعتدي من التمادي في الشتم والتلفظ بألفاظ سيئة على العاملين.
- يمارس بعض الإعلاميين تشويها ممنهجا ضد العاملين في القطاعات الصحية، خلال نشر كل ما تصل إليهم من معلومات دون تحقق، ودون الرجوع إلى أهل الاختصاص.
- تحوّل الجهات المختصة إلى ممارسة دور الوسيط ومحاولة حل الخلافات بحب «الخشوم»!، وعدم تطبيق الأنظمة المنصوص عليها.
- سوء تربية بعض المرضى ومرافقيهم.
- عدم معرفة الممارس الصحي بحقوقه وجهله بالطريقة الأمثل للحصول عليها.
3. الحلول:
- تطبيق النظام الصادر من الجهات المختصة تطبيقا يليق بكل حالة، حتى في حال تنازل الطبيب يبقى الحق العام حقا لا يجب إسقاطه.
- زيادة الوعي بحقوق الممارسين الصحيين، وحث الجميع على عدم التهاون في سبيل الحصول على حق المعتدى عليه كاملا.
- زيادة عدد رجال الأمن، خاصة في المناطق التي تكثر فيها هذه الممارسات، مثل أقسام الطوارئ، ومنح رجال الأمن كامل الصلاحية في التعامل بقوة مع كل معتد.
- أن تتحمل إدارات المنشأت الصحية كاملة المسؤولية تجاه حماية منسوبيها والدفاع عنهم، وتكليف محامين لرفع قضايا ضد المعتدين.
- اقترحت سابقا إنشاء جمعية بإسم «جمعية المحافظة على حقوق العاملين بالقطاع الصحي» على منطق «ما حكّ جلدك مثل ظفرك»، تكون هذه الجمعية مظلة للممارس الصحي «إداري وفني»، تُعنى هذه الجمعية بدعم الممارسين الصحّية نفسيا ومعنويا، وتتولى تكليف محامين ومتابعة القضايا المرفوعة ضد المعتدين.
أخيرا:العلاقة بين المريض والطبيب علاقة مهنية، إنسانية، تُبنى على الاحترام والثقة، وتزداد قوة ومتانة بمعرفة الحقوق والواجبات بين الطرفين، وسلوك المسلك الحضاري والنظامي في حال أخلّ أحد الطرفين بواجباته، غير ذلك سيستمر مسلسل العنف والاعتداء ضد الممارس الصحي دون رادع، وسيكون الخاسر الأكبر من ذلك هو المريض بصفة خاصة، والنظام الصحي بصفة عامة.