إدارة المرور لم تنجح قطعا في التنظيم والمراقبة، والفوضى المرورية التي تعم شوارع مدننا الكبيرة والصغيرة خير شاهد، وأكبر دليل على هذا، أما في مدينة جدة - مثلا - فالفشل واضح وضوح الشمس في رابعة النهار، وتكفي جولة واحدة في شوارع المدينة الرئيسة - وهي جولة قد تستغرق يوما كاملا بسبب الفوضى - أقول جولة واحدة سيجد من يقوم بها أن الفشل يتحدث عن نفسه بصوت مرتفع، وفعل مزعج ومؤلم، ولا يطيق الصبر عليه إلا ذوو العزم من السائقين الذين يتمتعون بقدرات صبر وسعة بال خارقة!
وحتى لا يكون الكلام انطباعيا وعاما، سأقدم شواهد حية من الميدان!
في المحاور الرئيسة الأربعة من الجنوب إلى الشمال، وهي طرق: (الأمير ماجد، المكرونة، المدينة، الملك عبدالعزيز)، هذه المحاور الأربعة يوجد على جانب كل منها طريق خدمة، طرق الخدمة هذه تجد معظم الفتحات التي تفضي منها إلى الطرق الرئيسية مغلقة بصبات خرسانية، مما يسبب زحاما واختناقا في طرق الخدمة لا يطاق، وهذه الفتحات مغلقة لحكمة لا يعرفها إلا مدير مرور جدة شخصيا، وربما بعض الضباط المقربين منه، أما العاملون في الميدان - وقد سألت كثيرين منهم - فلا يعرفون الحكمة من إغلاق هذه الفتحات سوى أنها أوامر الإدارة، وهذه الإدارة وضباطها لا أحد يراهم في الميدان، وهو عملهم الحقيقي، والمفروض أن يباشروه دائما، لكن المفروض شيء والواقع شيء آخر أشبه باللغز!، فالموجود في الميدان هم الجنود وصف الضباط، ولو دخلت الإدارة العامة بجدة أو أي فرع من فروعها لوجدت أن الذين يعملون في إصدار رخص السير والقيادة وأوراق الإصلاح هم أيضا من صف الضباط، ولا بد أن تتساءل هل لدى المدير والضباط عمل غير شرب الشاي والقهوة والسوالف وقراءة الصحف ومتابعة الجوال!؟ فعلا ماذا يعملون، وأين هم!؟ حيث لا ميدان ينزلون ولا عمل مكتبيا يمارسون!، ألا يمكن اعتبارهم بطالة مقنعة!، أو بطالة سافرة فلا فرق، حيث وجودهم والعدم سواء!.
نعود إلى الميدان، حيث ستجد عند بعض الفتحات النادرة المفتوحة سيارة مرور تغلقها، وستجد عند أو داخل كل (Utern) في طريق الملك - مثلا - سيارة مرور واقفة، وستجد أيضا سيارات مماثلة عند بعض الإشارات والتقاطعات، وستلحظ أن الجندي أو صف الضابط الموجود داخل هذه السيارة لا يهش ولا ينش مطلقا، فهو مشغول بجواله، وبعضهم يمد رجليه فوق طبلون السيارة لمزيد من الراحة والتركيز على الجوال، بينما الفوضى تضرب أطنابها من أمام سيارته الرسمية وخلفها، وهو لا يمنحها مجرد التفاتة عابرة!، والويل والثبور وعظائم الأمور لمن يقطع عليه خلوته ويشتكي من الفوضى، فهذا قد يحمله مخالفة، لا يمكن وصفها إلا أنها إزعاج السلطة النائمة في الشارع!.
خذ مثالا آخر، فطريق الحرمين السريع في معظم أجزائه ومعظم أوقات النهار يكاد يكون متوقفا تماما بسبب الفوضى المرورية فيه، وساهر لا يصيد إلا المسرعين إذا تهيأ لأحد أن يسرع قبل أن تنفقع مرارته!، أما بقية المخالفات المزعجة فلا رقيب ولا حسيب، بل لو حدث - لا قدر الله - حادث، فإن حضور المرور خلال ساعة أو ساعة ونصف يعتبر من معجزات السرعة القصوى، التي يمارسها رجال المرور مضحين بأوقات جوالاتهم المهمة وسوالفهم الاستراتيجية!، وهذه السرعة في الحضور خلال ستين أو تسعين دقيقة لا يحظى بها إلا من دعت له أمه وأمهات الحي وشيبانه وأطفاله! قبل أن يربط الحزام وينطلق!.
هناك فئة من الجنود وضباط الصف الميدانيين يجب ألا نغمطهم حقهم، فهم يتميزون – ما شاء الله - بالنشاط والحضور الذهني، وكاميرات جوالاتهم لا تتوقف عن التصوير، هؤلاء تجدهم في الشوارع الداخلية للأحياء يصورون لوحات السيارات الواقفة على جانبي الشارع، باعتبار ذلك مخالفة وقوف خاطئ، وهؤلاء النشيطون، المواظبون على هذا الظلم الصريح العلني للناس!، لم يسأل أي منهم نفسه أين يوقف السكان سياراتهم!؟، فإذا كان في كل بناية ثمان أو عشر شقق، ولا يوجد تحت العمارة مواقف سيارات، فأين يوقف هؤلاء السكان سياراتهم، هل يتركونها في مواقف حجز السيارات على طريق مكة، ويعودون إلى بيوتهم!؟، أم يستأجرون ونشا يرفعها لهم على أسطح البنايات!؟ أم يستغنون عن سياراتهم نهائيا!؟ ويطلبون من المرور تشغيل رجاله الميدانيين في توصيلهم بدلا من تضييع أوقاتهم مع الجوال!؟
يا مدير مرور جدة، هل من العدل أن يتحمل سكان البنايات في الأحياء أخطاء البلديات في الترخيص لبناء هذه العمائر دون مواقف، هل تعون في إدارة المرور هذه الحقيقة، أم أنكم وجدتم هذا الوقوف الاضطراري على جانبي الشوارع الداخلية غنيمة سهلة يوميا!، أسأل وأنا أعرف أنك يا سعادة المدير تعرف هذه الحقيقة، ولذا لابد أن أسألك عن حكمكتم السديدة الرشيدة في إيقاع هذا الظلم على الناس وهم نائمون أو مرتاحون في شققهم، لابد أنها حكمة لم يسبقكم إليها أحد مطلقا، بل لا أظن أحدا من زملائك في باقي مدن ومحافظات المملكة توصلوا إلى هذا المستوى من الحكمة، التي سيسجلها سكان جدة في صفحات تاريخكم الذي ليتك تجد صفة تناسب ذلك التاريخ بعد أن تفكر وتتأمل، ولعل تفكيرك وتأملك يقودك إلى ترك حكمة إغلاق فتحات طرق الخدمة، وإيقاف تسجيل مخالفات الوقوف الخاطئ في الشوارع الداخلية!.
التخلي عن الحكمة الشاذة حكمة!.