الحديث عن العراق ا?ن حديث صعب في ظل ما ي?قونه من ظلم القريب والبعيد وطغيان المحتل والعميل، وهو حديث تعرف أوله و? تعرف منتهاه، والله المستعان. مأساة العراق بشكل عام والعرب السنة بشكل خاص في العراق كما يصفها البعض بدأت بعد ا?حت?ل ا?ميركي للعراق عام 2003، سقطت بغداد عام 2003 بسبب الغزو ا?ميركي ليعلن في هذا العام نهاية حضارة بلد صنع أول حضارة في تاريخ البشرية، ويمثل هذا السقوط نهاية حكم العرب السنة لهذا البلد ودخولهم مرحلة الضياع وا?نهيار بعد أن كانوا هم السادة والقادة وبناة العراق وركنه الركين وعصبه المتين.

انتهت مع هذا الغزو مرحلة عروبة العراق، فقد تغير جنسه وأصله ونسبه بعد أن كان يمثل عروبة ا?مة وحامي حماها إلى حديقة خلفية ل?مبراطورية الفارسية، فا?حت?ل مثل صدمة لكل العراقيين خصوصا بعد حل الجيش وكل مؤسسات الدولة بهدف إعادة بناء الدولة العراقية بمفهوم الحاكم العسكري ا?ميركي الذي جاء بالديمقراطية نموذجا لحكم العراق. جاء مع الحاكم العسكري ا?ميركي مجموعة من سياسيي المعارضة العراقية في الخارج تحمل أجندات داخلية وخارجية مختلفة، وانقسم الشعب العراقي بعد ا?حت?ل إلى معسكرين: معسكر اتخذ المقاومة حقا مشروعا لطرد المحتل، ومعسكر آخر تعاون مع القوات ا?ميركية، ويرى أنها قوات محررة خلصت العراق من الدكتاتورية البعثية، والسجال بين المعسكرين يبقى مستمرا ?جيال قادمة تتقاذف ا?تهامات بينها.

بما أن موضوع هذا المقال هم العرب السنة في العراق، فلن أتطرق للمكون الكردي في العراق، وأكتفي بعرض مقارنة مختصرة مع المكون العربي الشيعي، فأغلب ا?حزاب الشيعية التي شاركت في مجلس الحكم الذي أسسه الحاكم العسكري للعراق بعد ا?حت?ل كانت مرتبطة أو مدعومة بشكل مباشر من إيران، هذا الدعم أخذ أشكا? مختلفة أهمها وأكثرها فعالية هو سيطرة إيران على إيقاع تحركات هذه ا?حزاب والحركات والشخصيات بحيث ? تتصادم فيما بينها، هذا الدور ا?يراني أثبت فاعلية في فرض سيطرة هذه ا?حزاب الشيعية على المشهد السياسي العراقي. في المقابل، العرب السنة في العراق انقسموا بين مشارك في العملية السياسية التي أسسها ا?حت?ل وبين مقاطع لها، فالمشاركون في العملية السياسية اعتبروا المشاركة في حكومة شكلها ا?حت?ل نوعا من أنواع دفع الضرر، بينما اعتبر المقاطعون المشاركة في حكومة ا?حت?ل خيانة للمقاومة الوطنية.

هذا ا?نقسام له أسباب كثيرة، منها فكرية ومنها سياسية وأخرى شخصية. بعد 13 عاما من احت?ل العراق ال?فت للنظر أن العرب السنة المقاطعين والمشاركين في العملية السياسية فشلوا في تحقيق أهدافهم المعلنة. المقاومة العراقية ذات ا?غلبية السنية لم تنجح في إبعاد الجماعات المتطرفة عن عملها، حيث اختطفت جماعات تنظيم القاعدة والتوحيد والجهاد والدولة ا?س?مية في العراق آنذاك عنوان المقاومة ضد ا?حت?ل ا?ميركي، من جهة أخرى، القوى السنية التي شاركت في العملية السياسية التي أسسها ا?حت?ل فشلت في تقديم نموذج سياسي يخدم جمهورها السني الذي شارك في ا?نتخابات. تفاقمت المعضلة السنية في العراق حتى وصلت إلى مراحل ا?نفجار في عهد رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، وخرج مئات ا??ف من العرب السنة في مظاهرات تندد بالتفرقة الطائفية لحكومة المنطقة الخضراء بقيادة المالكي.

استمرت المظاهرات شهورا بمساندة من الجهات المقاطعة للعملية السياسية، وهاجمت حكومة المالكي هذه المظاهرات لتفريقها بالقوة، وقتلت المئات من المتظاهرين المدنيين في محافظات سنية مختلفة. مرة أخرى اختطفت المجاميع المتطرفة المقاومة السنية، واحتلت داعش مدينة الفلوجة ومدنا كبرى مثل الموصل والرمادي وتكريت، وفشلت القوى المشاركة في العملية السياسية في حماية جمهورها السني من بطش قوات نوري المالكي، وفشلت أيضا في تحصين المحافظات ضد الجماعات المتطرفة. ? يختلف الحال اليوم في العراق فالعرب السنة منقسمون بين مقاطعين ومشاركين في العملية السياسية التي أسسها ا?حت?ل، واللافت ل?نتباه أن القوى السياسية المقاطعة للعملية السياسية ترفض العمل السياسي بشكل مباشر أو غير مباشر. بعد 13 عاما على احت?ل العراق وبعد 6 سنوات على خروج القوات ا?ميركية لم يظهر أي حزب معارض سني من بين القوى المقاطعة للعملية السياسية في العراق. القوى المقاطعة للعملية السياسية في العراق تطالب بإلغاء العملية السياسية، لكنها ? تقدم بدي? عمليا أو بدي? بمرحلة انتقالية تأخذ با?عتبار ميزان القوى داخل العراق والمنطقة، فالقوى السنية المشاركة في العملية السياسية فقدت شعبيتها بعد أن تركت جمهورها ضحية ا?نتقام الطائفي وبطش الجماعات المتطرفة.

من يقرأ خارطة العرب السنة في العراق اليوم يجد هذين المعسكرين يتصارعان في معركة «شرعية» ضحيتها العرب السنة، معسكر يرفض العمل السياسي والعملية السياسية، ومعسكر مشارك في العملية السياسية فقد شعبيته ?سباب كثيرة داخلية وخارجية. وينتظر أهل السنة في العراق مهديا منقذا مشابها للمهدي ا?يراني الذي ضبط إيقاع ا?حزاب السياسية الشيعية في العراق ووحد كلمتها السياسية لخدمة مشروع هذه ا?حزاب ومصالح إيران في العراق.