اللغة العربية لغة القرآن الكريم، ولغة النبي العظيم والتشريع الحكيم، وهي لسان الأمة العربية التي يبلغ تعدادها اليوم حوالي أربعمائة مليون نسمة؛ لذا فقد فرضت نفسها بالضرورة وأجبرت العالم على الاعتراف بها، لتكون إحدى اللغات الست التي تعمل بها الأمم المتحدة.

لكن المخجل المخزي بعد ذلك أن يأتي الجحود والتخلي والتجني من أبنائها؛ العرب، في وطنهم العربي الكبير، الممتد عبر مساحة واسعة متصلة، لا يقطعها ولا يعترضها لسان أجنبي، فتبلغ الحال ما هي عليه اليوم من العجمة التي ما عاد فيها اللسان يميز بين ما له وما عليه.

أثارني قبل أيام تعليق لأحد المهتمين باللغة العربية على دخول طيران فلاي أديل إلى المملكة، حيث قال «ألا يوجد في القاموس العربي كلمات بديلة»، وبالفعل ذهبت أقلب النظر في التسميات الأجنبية التي بدأت تغزو مجتمعنا، حتى تجاوزت أسماء الماركات العالمية، التي لا يمكن تغييرها أو التلاعب بها، إلى أسماء المحلات والمراكز التجارية والأبراج والمشاريع العمرانية، وحتى أسماء المواليد. وتعجبت حين ذاك من تبدل حالنا، حيث انتقلنا بسرعة البرق من الرفض التام لكل ما هو دخيل على العربية إلى الاستسلام التام لهذا الدخيل، فتلوثت ألسنتنا، وتشوه وجه لغتنا الجميل. والغريب أن معظم الأسماء الأجنبية التي نقرأها على لوحات المحلات والمشاريع تكتب بالحروف العربية، فلا تحفظ للغة المستعار منها حقوق التسمية، ولا للغة المستعار إليها حقوق الحرف والدلالة.

ذاك الهجين الموجع انتشر على الألسنة حتى رأينا العامة والخاصة يتلذذون بإدخال المفردات الأجنبية في أحاديثهم العربية، دون رادع من اعتزاز أو ضمير عربي يقظ. وانتقل الداء إلى الإعلام فتفشت العجمة على ألسنة المذيعين والمذيعات، وبدأت العامية تزاحم الفصحى في الإعلام وفي الدعاية والإعلان، حتى ازورت الفصحى، وتراجع وعي الأجيال بها، وهذا بلا شك يهدد الذوق والبلاغة، ويزيد الفجوة بين المتعلم وكتاب الله الذي هو الدستور والتشريع والهدي المبين.

وحين كنت في تلك الضائقة بلغني ما قامت به المملكة الأردنية الهاشمية مشكورة من فرض قانون لحماية اللغة العربية، يصبح جزءا من الدستور العام للدولة؛ فوفق المادة 31 من الدستور الأردني يصبح استخدام العربية ملزما للوزارات والدوائر الحكومية والمؤسسات الرسمية العامة، وللمؤسسات العامة والخاصة، والبلديات والنقابات والجمعيات والنوادي والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني والشركات.

ويشمل الإلزام بالعربية كتابة ودلالة جميع الأنشطة الرسمية، بما في ذلك التسميات والوثائق والمعاملات والسجلات وقيودها، والوثائق والعقود والمعاهدات والاتفاقيات والعطاءات التي تكون تلك المؤسسات طرفاً فيها، والكتب الصادرة عنها، ومنشوراتها وقوائمها ولوائح أسعارها والبيانات والمعلومات المتعلقة بالمصنوعات والمنتجات الأردنية؛ بما في ذلك المنتجات التي تصنع في المملكة بترخيص من شركات أجنبية، وأنظمة العمل الداخلية لأي شركة أو مؤسسة أو هيئة رسمية أو أهلية أو خاصة، وعقود العمل والتعليمات الصادرة بموجب القوانين والأنظمة، وأدلة الإجراءات والعمليات الخاصة بها، وأي إعلانات مرئية أو مسموعة أو مقروءة موجهة للجمهور، وأي منشورات دعائية وغير دعائية، بما في ذلك الحملات الإعلامية.

هذا القانون الذي فرض مؤخرا وأُقرت على مخالفيه غرامات مالية تبدأ من ألف دولار، ولا تتجاوز 3 آلاف دولار، يضع المؤسسات العامة والخاصة في المملكة الأردنية أمام مسؤولياتها عن حفظ هويتها العربية، وإظهار الاعتزاز بلغتها أمام العالم بأسره. وكم نحن بحاجة إلى فرض قانون مماثل على مؤسساتنا في كثير من الدول العربية، التي يكاد بعضها أن يفقد هويته العربية ولسانه العربي إلى الأبد.