ميزة المنتج الإعلامي أنه يستهدف المتلقي، ولكنه يكشف أيضا الكثير عنه، فهو موجّه إليه، ونابع منه. ولعل ذلك أحد أسباب تداخل علم الاجتماع ودراسات الإثنوجرافيا مع الإعلام بشكل كبير. وإذا أخذنا المحتويات الإعلامية التي تناقش التطرف على سبيل المثال، يمكننا ملاحظة اختلاف وجهات النظر تجاهها من مجتمع لآخر.

عندما أذاعت MBC أولى حلقات مسلسل «غرابيب سود» رمضان الفائت، لاحظنا انتقادات عجيبة عليه من كافة الدول العربية مثل كونه «طائفي»، أو كونه «يشوّه صورة الإسلام» أو ما شابه ذلك. قليل هم الذين قارنوه بداعش على أرض الواقع.. قليلون قالوا إن ما شاهدناه فعلا قبيح ومؤلم ولكنه يعبر عن فظاعة تلك الجماعة الإرهابية.. قليلون من العرب تخلصوا من تحسسهم تجاه نقد التطرف ووقفوا إلى جانب صاحب العمل الذي كان بارعا في شيطنة الشياطين، وصبغ سوادهم بالسواد. أنا أجد «غرابيب سود» رائعا، وممتازا، ويليق بمستوى داعش.. وأجد في نفس الوقت أن ردة فعل المجتمع العربي مخيبة تجاهه، فقد ارتكزوا على خلفيات أيدولوجية مشبوهة إذ قالوا بأنه يبالغ في تمثيله لداعش، هل كانوا يتوقعون تمثيلا إعلاميا أكثر لطفا لتلك الجماعة؟

تماما على النقيض من العالم العربي، نجد الغربيين يتعاطون مع مثل هذه الأعمال بشكل مختلف ومغاير تماما. بثّت القناة البريطانية الرابعة مسلسلا عن داعش بعنوان «الدولة» في أغسطس 2017. ولاقى العمل نجاحا واسعا، لكن ردة الفعل الشعبية في الغرب كانت ناقمة تجاه المخرج حيث وصفوه بأنه يمجّد داعش، وأن العمل كان يفتقر إلى مزيد من الشيطنة ومزيد من التشويه لتلك الجماعة الإرهابية بيد أنني لم ألحظ فارقا كبيرا بين «الدولة» و«غرابيب سود» من ناحية السرد والتنفيذ!

وفي الحقيقة، كلا المثالين يثبتان مدى قدرة الشعوب على نقد الإعلام ارتكازا على خلفيات محيطة بهم.. إنما بعيد عن فلسفة التأثير وأبعاد التلقي، فإن ردود أفعال الشعوب العربية تجاه الأعمال التي تناقش التطرف تلفت الانتباه دوما وتثير تساؤلات حول مدارسهم الفقية وخلفياتهم الأيدولوجية ومؤسسات تعليمهم وحتى الحياة التي يعيشونها كأفراد.