لعل من أهم متطلبات تحقيق الرعاية الصحية العامة والوقاية من الأمراض والعلاج بكافة مستوياته للمواطنين، هو التمكن من الجودة في الأداء المهني للكادر الصحي بجميع مكوناته البشرية، وبمختلف درجاته وتصنيفاته الصحية، والتي تشمل الأطباء والصيادلة والممرضين وغيرهم من الفنيين والإداريين الصحيين، وبطبيعة الحال فإن تلك الجودة مرهونة بمدى وحجم التمكن المعرفي النظري والتطبيقي لتلك الكوادر، والذي يؤهل حاملها لأداء مهمته على أفضل وجه وأحسن مستوى في حدود الإمكانات المتاحة والظروف الميسرة في حقل عمله، بما يجعله متميزاً ومبدعاً في ممارسته الصحية، سواء في القطاع العام أو الخاص؛ ولذا فإن الاهتمام والوثوق بمدى مصداقية المؤهلات العلمية ووزنها المعرفي والمهني من الأهمية بمكان للجهات المعنية في وزارة الصحة وما يتبعها من هيئات، كهيئة التخصصات الصحية، والتي من خلالها وعبر اختباراتها يمكن لطالب الامتياز استكمال مسيرته الصحية في التخصص كطبيب، والحصول على الزمالة كمختص في أحد المسارات التخصصية المتاحة، والتي يمكن من خلالها كذلك منح كادر التمريض والصيادلة رخصة ممارسة المهنة كممرضين وكصيادلة، وعليه فإن مسؤولية تلك الهيئة وبرعاية وزارة الصحة كبيرة، لكونها الجهة الرسمية التي تمنح جواز المرور لحامل المؤهل الصحي لممارسة مهنته على اختلاف مستوياتها ومساراتها. وعلى الرغم من تعقيدات تلك الاختبارات التي تجريها هيئة التخصصات الصحية وما تتضمنه متطلباتها من تعقيد وتمحيص وتصفية شديدة لممارسي المهنة الصحية من المواطنين، بهدف تحقيق الجودة والمصداقية المطلوبة للكادر الصحي، في ذلك الميدان الحساس من القطاعات في الدولة، باعتبارها مهنة ترتبط بصحة الإنسان وحياته، وذلك إجراء يُحسب لها، فإننا نتعجب من أن لا يكون ذلك الإجراء مطبقا بحذافيره لجميع منسوبي تلك المهن الصحية من المتعاقدين على اختلاف مستوياتهم، وهل يعني ذلك أن لدينا شكا في مستوى مخرجاتنا الصحية جميعها، حتى نطبق الاختبارات على مواطنينا ونعفي غيرهم منها؟! أم أن ملف التعاقد مع الكوادر الصحية غير المواطنة يختلف في إجراءاته الإدارية والمهنية عن تلك المنفذة على المواطنين؟! أليس الجميع يعملون في نفس الميدان؟! أليس مطلوبا من الجميع الجودة والمصداقية في المؤهلات والتمكين؟! بل وألسنا في حاجة لزيادة كوادرنا الصحية المواطنة التي لا تساهم إلا بنسبة ضئيلة من العدد الإجمالي لممارسي المهنة على اختلاف مستوياتها؟! وبالطبع فإن ذلك لا يعني التجاوز عن تلك الاختبارات أو التساهل غير المبرر فيها، وإنما فقط الاستفسار، لماذا لا تكون المعاملة بالمثل للمواطن وغير المواطن والكيل بمكيال واحد للجميع، وليس بمكيالين ترجح فيه كفة غير المواطن، بتجاهل كثير من المتطلبات والشروط المفروضة على المواطنين؟!
وعلى الرغم من نجاح هيئة التخصصات الصحية في تطوير أدائها وآلية اختباراتها التي استطاعت من خلالها الحد من أعداد المتقدمين بشهادات مزورة للحصول على التصنيف المهني، والذي تقلص في ضبطها للشهادات إلى عدد (10) من المزورين للشهادات في العام 2016، وذلك بعد أن كان العدد (2443) أو(6674) حالة تزوير في العام 2012 بناء على المعلومات المتضاربة المنسوبة للهيئة، إلا أنها أخفقت في جوانب أخرى بأخطاء تنعكس سلباً على دعم كوادرنا الصحية والذي ظهر في استبعادها لعدد من الأطباء السعوديين في دورات تدريبية، بعد أن أعلنت قبولهم في مايو 2016، والتي ما لبثت أن تراجعت عنه تحت الضغوط والتفاعل من العاملين في المجال الصحي ضد الهيئة، وذلك في ظل انخفاض نسبة السعوديين في الحقل الصحي بقطاعاته المختلفة، وبما لا يتعدى (30.4 %) أو أقل من إجمالي الممارسين الصحيين ما بين أطباء وصيادلة وممرضين وعاملين في العلوم التطبيقية، وذلك بناء على ما تم نشره منسوباً لهيئة التخصصات الصحية، ويضاف إلى ذلك فإن تشدد الهيئة وعدم موافقتها على طلب شركات الأدوية وشركات الأجهزة الطبية باعتماد أنشطتها للتعليم الطبي المستمر، وتبريرها بأنها تضمن بذلك إلزام حصول الممارسين الصحيين (باستثناء الأطباء والصيادلة) على ساعات التعليم الطبي والتطوير المهني المستمر، بما يواكب التطور العلمي وتقنياته الحديثة، وبما يخولهم لإعادة التسجيل المهني بالهيئة، وذلك يُحسب للهيئة في اهتمامها بأن يكون ذلك مُقدما من جمعيات علمية معتمدة، إلا إننا نأمل ونطمح أن يشمل ذلك الوثوق والتمحيص كافة ممارسي المهنة في القطاع الصحي، سواء من المواطنين وغير المواطنين وفي القطاع الحكومي والخاص.
ومن جهة أخرى فقد أفصحت الهيئة أنها تمكنت من ضبط (3026) شهادة طبية مزورة لممارسين صحيين يعملون في قطاعات الطب البشري والتمريض والصيدلة، والذين قدموا للعمل في القطاعات الصحية الحكومية والخاصة في المملكة خلال العام 2014، وبارتفاع يصل إلى (10%) عن العام 2013، ويمثل قطاع التمريض منهم نسبة (60%) من جملة الشهادات المزورة التي تم ضبطها، (معظمهم من الآسيويين)، من قبل الهيئة وهم يعملون في القطاع الحكومي «والخاص» الذي يستأثر بالنسبة الأكبر من الشهادات المزورة، وذلك على الرغم من ضبط ضعف ذلك العدد في مايو 2012 وبعدد (6674) من الممارسين الصحيين من أطباء وصيادلة تم استقدامهم للعمل في القطاع الصحي الخاص. وحيث إن هيئة التخصصات الصحية تؤكد أن هناك قصورا واضحا في مستوى مخرجات الكليات الصحية الأهلية في العام 2016، وإنه لم يتمكن سوى (19%) منهم تجاوز الامتحان «الاستثنائي» لفئة أخصائي تمريض، وذلك مراعاة لتدني مستوى الخريجين من تلك الكليات، وأنها دعتهم للمشاركة في البرامج التدريبية المكثفة بهدف سد الفجوة المعرفية والمهارية الناتجة عن ضعف تأهيلهم؛ فإنها وفي ظل البطالة في القطاع الصحي بمختلف مساراته، والتمريض بصفة خاصة لعدم كفاءة مخرجاته وضعف التأهيل لمنسوبيه؛ فإن نجد أن وزارة الصحة تتجه نحو التعاقد مع كوادر تمريضية من الأردن ومصر والسودان، وذلك وفق ما أوردته وسائل الإعلام المختلفة ونشرته وزارة الصحة في تقريرها السنوي لعام 1436/ 1437، ومع تقديرنا واحترامنا لأبنائنا في الوطن العربي إلا أنهم لا يبتعدون كثيراً عن مستوى تأهيل مواطنينا، لكون القائمين على تعليمهم هم من إخواننا الأكاديميين من تلك الدول ذاتها، وعلى الرغم من أن مؤسساتنا الصحية تمتلئ بكادر التمريض الفلبيني، فإنه كان أولى بالوزارة والهيئة الاستفادة منهم قبل مغادرتهم في تدريب كوادرنا الوطنية وتأهيلها للممارسة الميدانية، بعد أن أثبتت الفلبين أنها من أكثر الدول تصديراً للممرضين والممرضات، بما جعلهم يتميزون ويستأثرون بـ25% من ممارسي تلك المهنة على مستوى العالم، بل ومما يجدر الإشارة إليه أن كثيرا منهم تحصلوا على عقود بديلة من الدول الغربية لاستقطابهم.
وبين تخبط سياسات وإجراءات وزارة الصحة وهيئة التخصصات الصحية وانحيازها غير المبرر نحو إجراءات لا تخدم الكادر الصحي الوطني بما يساهم في تأهيله وتوطينه، سواء من أطباء أو صيادلة وممرضين وغيرهم من مواردنا البشرية في التخصصات العلمية المختلفة، من الذين يمكنهم الخدمة في القطاع الصحي لسد العجز والفجوة في نسبة مساهمة مواردنا البشرية المؤهلة في هذا القطاع المهم، وبما يسهم في الحد من البطالة ويدعم تأهيل وتمكين مواردنا البشرية، فإنه تطالعنا وسائل الإعلام بأن هناك إجراءات وترتيبات لاستقدام صيادلة من الهند وباكستان والفلبين في القطاع الصحي الخاص، وذلك بعد أن أعادت هيئة التخصصات الصحية اعتماد شهادات تلك الدول وقبولها وفق ضوابط لديها، وذلك في ظل عدم رغبة الصيادلة السعوديين العمل في القطاع الصحي الخاص والذي يبرره التهميش في الدور الوظيفي لهم، وانخفاض الأجور التي لا تناسبهم كمواطنين ذوو مؤهلات أكاديمية صحية.
التساؤل المطروح هو كيف يتم الاستمرار في استقدام ممارسين صحيين بشهادات مزورة بعد أن ثبت ضبط أعداد كبيرة منهم لعدم تأهيلهم وتزويرهم لمؤهلاتهم الصحية دون فرض ضوابط حاكمة ومنظمة لذلك؟!، أين دور هيئة التخصصات الصحية ووزارة الصحة في ضبط ذلك؟! إلى متى نستمر في معالجة إخفاقاتنا وسلبياتنا بسياسات وإجراءات ارتجالية غير مدروسة؟! إلى متى نعاني من الأخطاء الطبية وإزهاق الأرواح دون مبرر مقنع ودون محاسبة؟! الإخفاقات طالت جميع القطاعات العام والخاص فكيف سيكون حالها بعد الخصخصة؟!