دروس الحج الدينية والفكرية لا يمكن أن يأتي على جميعها أحد؛ ومن أول ما أتى على خاطري وأنا أكتب مقالي هذا؛ الإرادة التنفيذية التي أوجدها الله تعالى في الإنسان الذي فكر في أداء هذا النسك، وكان يمكنه أن لا يفكر فيه أصلا، أو أن يختلق لنفسه أعذارا، حقيقية أو وهمية، يتحجج بها عن عدم القيام به.

رغبات الناس متنوعة، وشهواتهم متعددة، وحيرتهم في معرفة العلاقة بين الإرادة الإنسانية، والإرادة الإلهية ـ في فعل الحج وغيره ـ مقبولة بلا شك، وإن كانت معقدة بعض الشيء، خاصة وأن من يفهم القضاء والقدر بشكل خاطئ؛ سيقول ما يمكن أن يشل حركته، أو حركة غيره، من مثل «المكتوب على الجبين لازم تشوفه العين»، وغير ذلك..

الخالق سبحانه، يعلم ما سيقوم به المخلوق، وعلمه تعالى، ليس علم إكراه على فعل ـ الحج ـ، أو علم إكراه على ترك؛ بل هو علم أزلي كاشف بما سيقع من هذا المخلوق، أما الفعل أو الترك فهو من صميم إرادة المخلوق نفسه، ولا يقدح هذا في قدرة ربنا، سبحانه وتعالى، أو يطعن في القضاء والقدر، أو يشير إلى وجود تناقض بينه، وبين إرادة الإنسان..

إذا قلنا إن الإنسان منا مجبر على الحج، أو إنه لا يحج بإرادة منه، نكون قد وقعنا في محظور (الجبر)، وهذا يعني سد كل باب للأمل في الحياة، وتحويل تام للتواكل، أو ما يمكن أن نسميه (التوكل السلبي)، وإلغاء لمعان جميلة، يمكن أن نستقيها من آيات الله العظيمة، كقوله تعالى في سورة الرعد {له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر اللَّه إن اللَّه لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد اللَّه بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال}.

العبادات كذا الحياة، ليست أمورا يجبر الإنسان عليها، إنما هي خيارات يختارها الإنسان، ويوفقه الله تعالى لها، ومن يؤمن بذلك يقينا، لن يشكل عليه فهم قوله تعالى، في سورة التكوير {وما تشاءون إلا أن يشاء اللَّه رب العالمين}؛ أسأله تعالى أن يوفقنا لالتقاط كنوز الحج، وأن ييسر للحجيج حجهم، وأن يعين القائمين على خدمتهم.