حين كنا صغاراً اعتقدنا أن المجرمين هم من يضعون الأقنعة السوداء على وجوههم، بعد أن تعرفنا على أول عصابة في طفولتنا، «عصابة القناع الأسود»، التي كانت تحاول سرقة «عم ذهب» في مجلة بطوط. وحين كبرنا صعُب علينا استيعاب تطور الفكر الإجرامي ووصوله لمرحلة المافيا التي تتبع كل مجموعة داخلها، سلوكا إجراميا منحرفا ومختلفا، يميزها عن باقي العصابات.

وأغلب أفراد المافيا حول العالم، لا يلبسون ملابس رثة أو ممزقة، ولا يغطون وجوههم بأقنعة، بل يُعدون من أكثر الأشخاص أناقة، فمثلاً في أماكن الصراع تبدو لنا الجريمة وهوية المجرمين واضحتين، ولكن في عالم التجارة وإدارة الأعمال والاقتصاد والسياسة، تشعر بوجود المافيا، ولكن يصعب عليك التعرف على هوية جميع أفرادها.

ويتركز نشاط المافيا في التجارة غير المشروعة، مثل التلاعب بالنشاط الاقتصادي المحلي أو بالتزوير واستخدام الضغط والابتزاز والمقايضة، ومنح القروض السخية بفوائد لا حد لها، وترتكز معظم تجارتهم على المخدرات. وكان على هذا العالم البائس، أن يبقى رهيناً لصراعات تلك العصابات مع بعضها البعض ويتعرف على أنماطها ووجوهها البشعة.

فمثلاً ليس كل شيء مثاليا في اليابان، فبعد انتهاء عصر المحاربين القدماء «الساموراي»، تصدرت المافيا اليابانية (اليا كوزا) قيادة الجريمة، وعُدت واحدة من أكبر المنظمات الإجرامية والأكثر تنظيما حول العالم، إذ بلغ متوسط دخل مافيا الياكوزا أكثر من 80 مليار دولار، جُمعت من أغطية نشاطاتهم التجارية القانونية. ويشتهر أفراد تلك العصابة بوشم كامل أجسادهم، في إعلان عن وفائهم وانتمائهم للعصابة، التي تتبع قوانينها الداخلية طقوسا وحشية، في طريقة التعبير عن الاعتذار للقائد، فإذا أخطأ أحد أعضاء تلك العصابة، عليه أن يقطع أصبعه كنوع من الاعتذار.

وتأتي المافيا الروسية (إخوان الشمس) في المرتبة الثانية، وتعد الأكثر تنظيماً في الأداء شبه العسكري. ظهرت المافيا الروسية بعد الحرب العالمية الثانية، إبان انهيار الاتحاد السوفيتي، ونشطت أعمالها في السوق السوداء بطريقة منظمة جداً، إلى أن سيطرت على أغلب اقتصاد روسيا. في بداية ظهورها كان أفرادها مجرد أشخاص فقراء، يحمل كل واحد منهم تصورا، بأنه روبن هود الذي يسرق من الأغنياء ليتقاسم الطعام والمال مع الفقراء. فيما بعد تفرع نشاط هذه المافيا إلى عشر جماعات أخرى، عملت كل واحدة بشكل مستقل، ووصلت إيرادات

المافيا الروسية لأكثر من 8.5 مليارات دولار، أتى أغلبها من تجارة المخدرات والاتجار بالبشر، حيث تعد (إخوان الشمس) من أكبر العصابات المتورطة في تجارة الهيروين المهرب من أفغانستان.

وفي مكان آخر، تعتبر مافيا الـ (كامورا) من أقدم المنظمات الإجرامية في إيطاليا، ويعود تاريخها إلى القرن الـ18، في بداياتها تكونت من مجموعة من المساجين في مدينة نابولي، بدأوا بعد خروجهم من السجن بكسب نفوذ سياسي في فترة الخلافات السياسية في إيطاليا، ومن هناك تفرعوا في أوساط الأحياء الشعبية وبين الشرائح السكانية الأشد فقرا، ليبلغ عدد عناصرها أكثر من 6700 فرد، مارسوا «النهب المنظم»، ويلعب العنصر النسائي داخل هياكلها المختلفة أدواراً محورية هامة. حتى بلغت إيراداتها أكثر من 4.9 مليارات دولار.

وتترأس مافيا الـ«ندرانجيتا» منطقة كالابريا الإيطالية، وتأتي في المرتبة الثانية في إيطاليا بعد مافيا الكامورا من حيث الإيرادات في البلاد، إذ يقارب مجموع إيراداتها نحو 4.5 مليارات دولار، وتحصل على معظمها من خلال علاقاتها الدولية، مع مهربي الكوكايين من أميركا الجنوبية، ومن السيطرة على معظم سوق المخدرات عبر المحيط الأطلسي، وينتشر أعضاء مافيا الندرانجيتا في الولايات المتحدة، وتم القبض على بعض أفرادها هناك العام الماضي.

ومن حيث الخطورة تحتل «مافيا سينالوا» المكسيكية المرتبة الخامسة، وصنفت بأنها أكبر عصابة للمخدرات في المكسيك والأخطر في أميركا اللاتينية، إذ تقدر إيرادات هذه العصابة بنحو 3 مليارات دولار، وتعد واحدة من المنظمات التي تعمل كوسيط بين منتجي المخدرات في أميركا الجنوبية وسوق المخدرات في الولايات المتحدة، وتشير بعض التقارير في هذا الشأن، إلى أن الأميركيين ينفقون ما يقارب الـ 100 مليار دولار سنويا على المخدرات، يذهب منها 6.5 مليارات إلى العصابات المكسيكية، التي تحتل 60% من سوق المخدرات. وعلى الرغم من سجن قائد المافيا المكسيكية، لم يحدث داخلها اقتتال على الإرث أو على قيادة المنظمة، كما يحدث عادة في بقية عصابات المافيا حين يموت أو يعتقل قائدها.

وجميع تلك العصابات التي تقود التجارة حول العالم، كفيلة بقرع الجرس في العالم العربي والخليجي خاصة ليحذر ألف مرة ويتحرى، قبل إجراء أي صفقة تجارية مع الشركات العالمية مهما بدت مقنعة، فبعض الصفقات التي عُقدت سابقاً، لم نكتشف أنها كانت مجرد غطاء لعصابة القناع الأسود إلا بعد فوات الأوان.