في معظم كتب منظّري الصحوة، ستجد عبارة تحمل هذا المعنى: الدعوة إلى الله مثل الكرة عندما تضربها في الجدار ثم ترتد إليك.

يقصدون بها أن عملية إصلاح نفسك ليست متطلبا لدعوة الناس إلى الفضائل، أو بمعنى مباشر إلى الله.

الغريب، أن هذه الإستراتيجية تخالف تماما ما عليه السلف الصالح من إلزام للمتحدث عن الدين بإصلاح نفسه، بدءا من القرآن الكريم القائل: «أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أفلَا تَعْقِلُونَ».

لاحظ، خُتمت الآية بالإشارة إلى العقل الذي لا يقلل تصرُّف كهذا وفي السنة رفع سعيد بن المسيب صوته بما أصبح قاعدة نشأ بموجبها ما يسمى بعلم الرجال، وهي «هذا الأمر دين فانظروا عمن تأخذون دينكم».

لكن، لأن تلك الفترة الظلامية من حياة مجتمعاتنا الإسلامية ظهرت في وقت نهاية السبعينات، والتي شهدت الانحلال والإباحية، بما هو قريب الشبه من الفترات التي تلت عصر الخلفاء، وشهدتها الأمة الإسلامية مع الفارق، والتي أفرزت الوضاعين الذين يقول أحدهم كذبت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خمسة آلاف حديث

تقربا لله.

ظهر منظّرو الصحوة ووعّاظها الذين ملؤوا آذان المجتمع بأكاذيب وحكايات، وتحريض وتهديد للإيجابية، ووعد بالهلاك وترهيب، في خطاب خلا مما هو من أساسيات العقيدة الإسلامية، وهو المحبة والرجاء.

في الواقع، لم يكن ذلك ليستمر طويلا، وهو ما نراه الآن من انكشاف هذا الخطاب، وزوال تأثيره، بل تحوله إلى مادة سخرية، خاصة من الشباب مما يضع الخطاب الإسلامي في موضع خطر يجب أن ننقذه نحن منه، فهذا ديننا وهذه شريعتنا التي نوقن أنها مصدر السعادة في الدارين.

لكن، كما يعرف كل مسلم، نجاة الأمة يكمن في ما أنجى أولها، وهو ما كان عليه الرسول -صلى الله عليه وسلم- وصحبه من صدق الخطاب واعتداله ووسطيته، وضمان الحقوق وأعراض الناس، وتجنب بث السلبية وادعاء هلاك الناس، وتشجيع مخالفة القادة والتشكيك في ذممهم وخططهم، وغير ذلك.

لكن، كل ذلك لن يتحقق إلا بالقضاء على هؤلاء المستشرفين الذين لم يتركوا عرضا لم تنله ألسنتهم، وهو المنتظر منهم، فماذا تتوقع من رجل لم يعرف امرأة أجنبية عنه إلا في مكان مشبوه، ولم يسافر إلى بلد إلا ورد على أسوأ

ما فيها.

كما أن التائبين من ماض قبيح يتوقع أن تظل آراؤهم رهينة تجاربهم لأعوام طويلة، فكيف تجعله يتصدر الخطاب الإسلامي، ويخطب في المراهقين، ثم تجده يسقط في لفظه ويقول عبارات خادشة لا تسمعها في أقبح الأماكن وأرداها، فكيف تقال في بيت من بيوت الله عز وجل؟!

لذا، أول خطوة تتطلب إصمات كل من يدافع عنهم وعن حقهم في الوعظ، لأن مستقبل الإسلام مرتبط بتنقية الخطاب من هؤلاء، والعمل على إبراز الشباب الذي نشأ في عبادة الله، ودرس الشريعة ليتحمل مهمة الإرشاد والوعظ والقدوة لكل المجتمع الذي نحلم به.