كان موعد رحلتي إلى الرياض عند الساعة الخامسة بعد عصر يوم أمس الأحد، ومع بعض التأخير المعتاد مع أسطولنا العملاق (الخطوط السعودية)، لكن الرحلة رقم 1040، تحولت إلى مسلسل عذاب لا يُطاق لمدة ساعة،
إذ كان الباص المقل لنا من الصالة إلى الطائرة ذا تكييف ضعيف، ثم إن خطوطنا تنفرد من بين خطوط العالمين!، بحشر جميع ركابها من مختلف الدرجات في باص واحد، لا فرق بين من يدفع قيمة أكبر أو أقل!.
وصلنا بحفظ الله ورعايته إلى كابينة الطائرة، التي تحولت إلى فرن حقيقي، أخذت مقعدي وقد بلغ الضجر والاستياء مبلغه ممن سبقوني إلى الطائرة، وبدأت الشكاوى وارتفع الصوت، فقمت إلى إحدى المضيفات أسألها، فقالت: التكييف عطلان!، فقلت: أين الكابتن !؟ لماذا لا يتحدث إلى الركاب ويبلغهم بالحقيقة، ويعتذر على الأقل! قالت: لا أدري! ثم نبهتني أن الكابتن في الممر خلفي، فالتفت إليه، وعاتبته!، وللحق كان مستاء جدا مما يحدث، وقال: هذا شغل الصيانة، وهم يحاولون!، ثم أعلن في الميكرفون معتذرا وموضحا، وقال: لا أدري هل نطير أم نعود إلى سلم الطائرة!، وقد كانت وجوه الناس تبكي عرقا وغضبا وشوقا إلى سلم الطائرة، لينزلوا ويكملوا دموع السلم، في جحيم الانتظار!
مرت ساعة وعشرون دقيقة، كنت أشم رائحة شواء!، فالركاب، بلغت أرواحهم حلاقيمهم، وأصبحوا يئنون، ويتغوّثون ويدعون الله أن يقيهم عذاب جهنم!، الذي عاشوا في ما يشبهه في الطائرة!
بعد أن ضج الركاب، وازدادت أصواتهم ارتفاعا، وبدأ بعض النساء يُصارِخن، فتحوا بابي الطائرة المتقابلين في مقدمتها، وكان الهدف أن يدخل تيار هوائي كي لا يختنق الناس!، لكن عددا كبيرا من الركاب انتظموا في الممرات وأجبروا الكابتن وطاقم الطائرة على استدعاء السلالم، وباصات وذهبوا إلى صالة المطار!.
أنا ومجموعة من الركاب معي، بقينا في مقاعدنا، حيث أعلن الكابتن أن فريق الصيانة يحاول محاولة أخيرة!
المحاولة رقم ألف لم تنجح، فقالوا: تفضلوا، سلم الطائرة ينتظركم! فهبطنا، ونحن نتهامس قائلين: ليت لدى
الخطوط خدمة تجفيف الملابس من العرق!، مع شوية عطر، لأن الكل صار لا يشم إلا رائحة العرقانين! وعفن (دغادغه!).
عند السادسة والنصف مساء كنا ندلف إلى صالة المطار، ومن ذات البوابة رقم خمسة التي بدأنا رحلة العذاب والشوي منها!، قال لنا أحد الواقفين على البوابة: سندبر لكم طائرة بديلة!، قلت: متى، الليلة أو بكرة!؟ فضحك وقال: لا أدري!.
هذا الحال الذي تجرعت مع مئات الركاب مرارته، لا أتذكر أنه قد حدث معي إلا مرة واحدة، وفِي مطار الملك عبدالعزيز بجدة، وعلى متن إحدى طائرات السعودية نفسها!، لكن لم يكن في قسوة وطول زمن رحلة أمس!.
الآن أكتب هذا المقال وأنا في صالة الدرجة الأولى، ولا حس ولا خبر!، ولا أدري فعلا هل سأسافر الليلة أو ستستضيفنا السعودية في فندق هيلتون، لمدة ليلتين، تعويضا لنا عن رؤيتنا المرعبة للموت!.
يبدو أن الخطوط تطورت لدرجة أصبحت معها تعظ ركابها عن طريق حفلات الشواء البشري! حتى يتعرّفوا على شيء من لفح جهنم التي أعدت للكافرين!.