احتفلت الصحف على طريقتها الأيام الماضية، بخبر انتصار وزارة العدل للمرأة، بعد أن أعلنت عن أربعة قرارات ومقترحات تتوقع بأنها ستحد من عملية استغلالها واستضعافها التاريخية. وإثباتاً للحق منذ تولي الدكتور وليد الصمعاني قيادة الوزارة والجهاز العدلي يخضع لعمليات متواصلة لنفض الغبار، والدخول في تنافس مع بعض الوزارات في عملية تطوير جذرية، لمسنا فيها الكثير من التغيرات الإيجابية، ربما لم تصل إلى حد الطموح بعد، ولكن نعرف جيداً أنها تمشي في الطريق السليم إلى الآن.
فبعد سنوات طويلة من المطالبات والنداءات التي شارك فيها شريحة كبيرة من أفراد المجتمع، بعدم تزويج الصغيرات، وتحديد سن قانوني للزواج. تقدمت وزارة العدل في تجاوب امتن له الكثير، بمقترحات حددت فيها
عشر إجراءات لضبط زواج القاصرات، من بينها «قصر الإذن بتزويج من في سن الـ 17 فما دون على المحكمة»، مستندين في ذلك على قانون حماية الطفل بلائحته التنفيذية، والذي يحدد بأن أي فرد من الجنسين دون سن الـ 18 يعتبر طفلا دون استثناء.
ومن هذا المنبر نشكر وزارة العدل في هذا الأمر مرتين، الأولى على تقديم مقترح تنظيم صندوق النفقة للمطلقات والأبناء، والذي سيرتبط مباشرة بالوزير، والثانية على الرفع به لمجلس الوزراء، إذًا هذا ما كنا نتوقعه ونطمح إليه من بقية الوزراء، أن يرفعوا لمجلس الوزراء كل مقترح من شأنه أن يغير حياة الإنسان للأفضل.
الجميل في القرار أن الزوج المحكوم عليه بالنفقة، سيصبح عليه مواجهة المحكمة بسداد المبلغ المحكوم به عليه، والذي سبق أن دفعه الصندوق نيابة عنه. ولكن الأمر الذي نخشى أن يفسد الأهداف النبيلة لهذا الصندوق، أن يحدد مجلس إدارته، بصرف نفقة بنفس الطريقة التقليدية، التي لا تراعي تكاليف إعاشة الأسرة في الشهر الواحد، فقد سبق أن عانت الكثيرات من المطلقات، من نفقات ضئيلة تتراوح بين 500 و800 ريال، لا تغطي احتياجات أبنائهن، ومع ذلك لم تحاول الجهات المسؤولة في المحاكم التوجيه برفع مبلغ النفقة.
وجاء قرار إنصاف المحاميات المتدربات، ليحسم ذلك الاستغلال الذي مارسه بعض المحامين ومكاتب المحاماة، مستغلين حاجتهن للتدريب للحصول على رخصة مزاولة المهنة، بعد أن أطلق الوزير دبلوم المحاماة الذي يستمر 3 سنوات، وينتهي بمنح المتدرب أو المتدربة رخصة لمزاولة المحاماة.
وعلى الرغم من حجم التفاؤل من تلك القرارات، ينبغي ألا نتجاهل أصوات التساؤلات، وهمهمات الخذلان وإيماءات الإحباط، والتي أصابنا منها ما أصابنا في مسألة «إثبات الحضانة»، وبحكم متابعتي لقضية ثلاث أمهات حُرمن من أبنائهن، كنت أطمح أن ينصفهن القضاء في الفترة الماضية، فقربنا كمواطنين من بعض القضايا التي تدور في محيطنا وجعلنا شهودا على بعض تفاصيلها، ودفعنا للاطلاع على خفايا ومخالفات تحدث كثيراً بعد صدور صك الحكم، ولا تصل إلى المحاكم عادة، وحتى حين تصل لا تتغير أمامها الأحكام.
فحين رأي المستشارون في وزارة العدل أن إثبات حق حضانة الأم لأبنائها، أمر مفروغ منه ولا يحتاج سوى الترميز من القسم التقني في الوزارة، بإنشاء أيقونة جديدة له في نظام العدل الإلكتروني، ليُمكّن المحكمة من إصدار صك فوري تثبت فيه الحضانة دون مرافعات، كان الأمر المحير الذي أثار عدة تساؤلات، لماذا تطالب المحكمة إثبات بينة على صلاحيتها للحضانة، بينما لا تطالب الأب بالمثل في نزاعات الطلاق والحضانة، هل هذا من تبعات الصورة النمطية التقليدية المبنية على التشكيك في سلوكها أو الثقة بها أم ماذا. وما الحالات التي تتوجه فيها الأم للمحكمة لتثبت حضانتها لأبنائها، هل في حالات الطلاق والانفصال أم تستطيع أي أم أن تفعل ذلك، وما مصير التي مازالت تعاني من حرمانها من أبنائها، هل سيعمل المستشارون على قرار ينصفها ويثبت لها حقها الفطري!
إذًا كيف نقرأ أن إثبات الحضانة انتصر للمرأة، بينما استثنى القرار الحالات التي فيها نزاع، مع أن غالبية حالات الطلاق في المحاكم فيها نزاعات على النفقة والحضانة، ولو لم يكن كذلك لما تم ربط نفقة المطلقة بالوزير مباشرة، لرفع الضرر عن الأم والأطفال، فإذا كان المستشارون في العدل يعملون على إثبات الحق، فكيف يُثبت في جزء دون الآخر، فالمتضررات من عدم حصولهن على حق الحضانة، هن ما يحتجن لإثبات هذا الحق.
هل كانت تلك هي كل الملفات المهمة العالقة في وزارة العدل، بالطبع لا ولكن هناك حالة جديدة تحتاج لإثبات
حق من العدل، حيث بدأت محاكم التنفيذ بإيقاف الخدمات الذي تنتهي بالسجن عادة، على بعض الأفراد الذين كانوا ضحايا بند 77، وتم إنهاء عقودهم وتسريحهم من وظائفهم، لعدم قدرتهم على الإيفاء بأقساط القروض للبنوك. والسؤال كيف ستساعد عملية سجنهم على تسديد الديون، مع أن النظام العدلي يستطيع أن يتبين أنهم مُعسرون وليسوا على رأس عمل. ولماذا ينبغي أن يُسجن المُعسر أولاً لتصدر له المحكمة صك إعسار، وحين يكون المُعسر امرأة من سيثبت حقها، وأي صندوق سيتكفل بها ومن سيراعي أبناءها وهي في السجن عاجزة عن التسديد!