السعوديون لا يستطيعون أن يروا أفلامهم التي يسمعون عنها، رغم أن صناعة السينما السعودية تخطو خطوات واسعة في المشهد الثقافي والفني الخليجي وربما العالمي، مع بعض الأفلام التي استطاع مخرجوها الرحيل بها
إلى المشاركة في المهرجانات السينمائية الدولية، والقليل منها حصل على إشادة نقدية أو جوائز في المهرجانات غير الكبرى، لكن تبقى تلك المشاركات مهمة وفاعلة في صناعة السينما السعودية، وعلى هذا الأساس يمكن القول: إن السينما السعودية هي السينما الخليجية التي تحفر في الصخر لسببين رئيسيين: الأول ما تحظى به السينما من رفض من قبل فئات تقليدية في المجتمع، ومع دفاع الفئات الأخرى عن السينما إلا أنها ما زالت (حتى الآن) تحظى بشيء من عدم القابلية حتى على المستوى الرسمي، لكن يبدو أن الأمر بدأ بالتراجع قليلا في صالح الفئات التي تحترم السينما كفن من الفنون العصرية. أما السبب الثاني فهو أن الأفلام السعودية لا تنتشر في المجتمع من ناحية المشاهدة إلا من خلال بعض المشاهدات على اليوتيوب إن سمح المخرج برفعها على تلك المنصة المرئية، لكن في الغالب أن الأفلام السعودية يُسمع عنها ولا تُرى إلا نادرا في بعض المناسبات الكبرى التي تقتصر على المدن الثلاث الرئيسة في السعودية: الرياض والدمام وجدة، وفي أيام محدودة جدا لا تتجاوز اليوم أو اليومين بحيث لا تسمح لأكثرية المجتمع بمشاهدتها، إلا من يطارد مثل تلك المهرجانات كاهتمام خاص جدا، مما يعني أن الانتشار يبقى محدوداً لأي فيلم يتم عرضه.
بعض جمعيات الثقافة والفنون وتحديدا في المدن الثلاث الكبرى إلى جانب أبها في بعض الأحيان تقدم بعض العروض أو الأسابيع السينمائية أو المسابقات في صناعة وعرض بعض الأفلام السعودية. مهرجان جمعية الثقافة والفنون للأفلام السعودية في الدمام هو الأكثر فاعلية وشهرة في هذا المجال، حتى صار حدثا ثقافيا سعودياً سنوياً لوجود مجموعة من المؤمنين بالسينما، إلى جانب دعم مركز الملك عبدالعزيز الثقافي في الظهران لمثل هذه الفعاليات. جمعية الثقافة والفنون في الرياض تقدم بعض العروض من فترة إلى أخرى، لكن السعودية ليست الرياض أو الدمام أو جدة فقط. السعودية فيها عدد كبير من المدن المهمة، وفيها أرقام كبيرة من ساكني تلك المدن. أليس من حقهم كذلك مشاهدة الأفلام التي يسمعون عنها؟!
من المهم أن تنتشر العروض السينمائية السعودية في غالب المدن حتى مدن الأطراف تفعيلا لقيمة الفن بشكل عام، وتفعيلا لصناعة الوعي السينمائي في المجتمع السعودي، وهذه مهمة يمكن أن تقدمها جمعيات الثقافة والفنون بطريقة مختلفة عن السائد التي تعيق انتشار العروض السينمائية. نحتاج إلى رؤية جديدة ولو كانت مادية محضة، بحيث يتم عرض الأفلام السعودية بشكل فاعل وجيد وينشر الوعي السينمائي وأهمية صناعة الفيلم السعودي. كيف؟ بكل بساطة بتقديم فكرة التذاكر والعرض في مسارح جمعيات الثقافة والفنون. كل الذين يتحدثون عن
صعوبة هذه المسألة وأنها تحتاج إلى تجهيزات لا يعون كيفية العرض البسيط الذي يمكن له تقديم فيلم في أحد الليالي من غير أي تكاليف، يمكن أن تثقل على جمعيات الثقافة التي تدعي دائما أنها لا تحظى بالدعم المادي المطلوب، والحل - كما قلت - بسيط جداً من خلال زرع فكرة دفع التذاكر المبسطة التي لا تتجاوز العشرين
ريالاً في أذهان المشاهدين.
الفكرة بكل بساطة كالتالي: يتم جدولة الأفلام السعودية التي تجاوزت الــ 300 فيلم تقريبا، حسب علمي سواء أفلام روائية أو وثائقية بغض النظر عن ضعف بعضها وجودة بعضها الآخر، بحيث يتم فرز أفضلها وعرض فيلم واحد كل أسبوع على مدى يومين أو ثلاثة في كافة جمعيات الثقافة والفنون في السعودية بلا استثناء، بحيث تكون أيامها ثابتة ومعروفة لدى الجمهور السعودي وتكون دفع قيمة تذكرة الدخول ما بين خمسة عشر ريالا أو عشرين بالكثير للفيلم الواحد، وغالب جمعيات الثقافة والفنون لديها مسارحها التي تعرض عليها، ولذلك فإن قيمة التذاكر ستكون ذات مردود مادي جيد للمخرج أو للجمعية إذا ما هي اشترت عرض الفيلم. هنا ستتحول صناعة وعرض الأفلام إلى عمل مادي وثقافي وفني ذا قيمة مجتمعية تستحق، وبهذه الطريقة يمكن أن تكون عروض الأفلام سهلة وبسيطة وغير مكلفة، ولا يتم الاكتفاء بها في أسابيع للسينما لا تتجاوز الأسبوع الواحد في السنة في كل جمعية.
فكرة الاكتفاء بالدعم الحكومي والمؤسساتي يجب أن تتلاشى من قبل أذهان المثقفين لأنها لم تعد تجدي، فحتى على مستوى الدعم الحكومي ستتحول المسألة إلى عملية بيروقراطية مميتة للعمل الثقافي والفني على حد سواء. الفكرة التي أطرحها هنا هي تحويل الثقافة إلى مردود ذاتي، بحيث يمكن لها أن تسير برجليها من جهة وأن تستقل عن المؤسسة الحكومية ذات العمل البيروقراطي، ويمكن الاكتفاء من قبل الوزارة بالإشراف لا أكثر، مع منح حرية في الإيرادات المادية لتلك الجمعيات في البحث عن مصادر دخل مادي لها، والسينما يمكن لها أن تحقق هذا الجانب كونها ترفيه وفن وثقافة في نفس الوقت.
لنكن صرحاء. لا يحظى بالدعم المادي إلا المدن الكبرى بحيث تبقى العروض الترفيهية والفنية والثقافية مقصورة على تلك المدن دون الأطراف، وتحويل المسألة إلى عملية مادية يمكن لها كسر نمطية الاقتصار على المدن الكبرى، وانتشار الثقافة الفنية والترفيهية في كل مدن السعودية بلا استثناء، ولعل السينما هي الباب الذي يمكن
له كسر هذا الاحتكار الفني أو قصرها على فكرة المهرجانات التي لا تتجاوز أسبوعاً واحداً بالكثير في السنة.