لم يكن مريضا في الحقيقة، كما يظهر في الفيديو الذي انتشر عن تعدي مواطن على طبيب عربي مقيم، لذا يجب
أن نهنئ أولا الطبيب على أمانته، ورفضه أن يكون شريكا في شهادة زور، ثم نهنئه على قدرته على ضبط نفسه، والصبر على بذاءات هذا الشاب.
في الفيديو، استوقفتني عبارتان وردتا: إحداهما تأفف الشاب من المقيمين وادعائه أنهم يأخذون عمله. والثانية: شتمه الطبيب بألفاظ عنصرية.
حسنا، لم يأت بجديد، فالكل تقريبا يحارب العنصرية بالعنصرية. في بلادنا أقرب مثال على ذلك.
في الاحتفالية بتراث جدة وثقافتها، ستطالعك لوحة جدارية ضخمة كتبت عليها أسماء العوائل التي سكنت داخل السور في جدة.
منذ اللحظة التي رأيت تلك الأسماء، وأنا أتعجب: ما الحاجة لوضع هذه الأسماء؟ هل معنى ذلك أن جدة «حقنا» ومن لا يجد اسم عائلته ينطبق عليه «يا غريب كن أديب» مثلا.
في الحقيقة، هناك ترجمة كبيرة لوجود تلك الأسماء في تصرفات البعض في جدة، وستسمع لو انغمست في مجتمعها عبارات مثل: أهل البلد وغيرها، وحتى لو كان جدك عثمان بن عفان باني ميناء جدة، فستجد من يقول لك اسمك غير مكتوب، لا تنتمي إلى جدة، فما بالك لو ولدت فيها، وكنت جزءا من كل ذكرى في شوارعها وطرقها وبحرها.
في بريطانيا، مجرد سكنك في لندن يجعلك لندنيا، بل الأجمل أن محافظها ولد والده خارجها، لكن اللندنيون اختاروه لقيادة تنميتها، ولم يسأله أحد إن كان اسمه مكتوبا.
أيضا في برامجنا الفكاهية، ستجد من يحارب العنصرية بالعنصرية، فمحاربة تقاليد بائسة مثل الكفاءة في النسب تستدعي السخرية من قبيلة أو مجتمع، والإشارة إلى ما ينقصهم في نواح أخرى، مما يستدعي الغضب من الفئة الكبرى التي من المفترض أن تكسبها إلى صفك، إذا أردت أن ينبذ الجميع هذه العادة العنصرية غير الإنسانية.
إن هناك طرقا أجدى في معالجة العنصرية في مجتمعنا، وهي القانون، فلا يجب أن ننتظر «فيديو» ينتشر لنقبض على عنصري، بل لا بد من وضع قانون لتجريمها، وأعني قانونا واضحا يشار إليه في الكتب المدرسية وفي التلفزيون، ليتوقف الناس عن هذه اللغة، وهذا الشعور الفوقي الذي سيبدأ بهم، ويهدمهم هُم قبل أن يملأ الآخر بالكراهية والأسى.
وفي مثل هذه الأجواء، لا يمكن أن تبني حضارة أو تتقدم، لأن مثل هذه المشاعر مكانها الغابات لا المجتمعات الراقية.