تقدم نسبة البطالة التي أصدرتها الهيئة العامة للإحصاء مؤخراً مؤشرا ذا دلاله خطيرة، والأكثر خطورة في الموضوع هو احتلال خريجي الجامعات من هذا العدد النصف، حيث بلغ عدد العاطلين السعوديين قرابة المليون، ومنهم نحو 453.500 ألف عاطل يحملون شهادة البكالوريوس بنسبة 50% من إجمالي العدد.
وزارة التعليم ما زالت مستمرة في تخريج العديد من العاطلين وتغذية هذه الفقاعة دون إيجاد حل لأكوام العاطلين السابقة. ومجرد نظرة إلى الأقسام النظرية وحتى العلمية التي لا يحتاجها سوق العمل وأعداد الطلاب والطالبات المقبولين فيها توضح أن سوق العمل في واد والجامعات في واد، وبين الواديين ضاع مستقبل الشباب المهني.
الأمر الآخر، تصريح وزير التعليم عقب الاستفسارات عن توقيت إعلان الاحتياجات التعليمية بوجود فائض في أعداد المعلمين والمعلمات في وزارة التعليم، وتأجيل الإعلان إلى وقت لاحق، ومع ذلك نجد الإدارات التابعة لوزارة التعليم بحاجة إلى معلمين ومعلمات في عدة مجالات وتخصصات متنوعة ومختلفة، ونعود إلى المربع الأول فائض وبطالة مقنعة في تخصصات معينة في التعليم، وعجز في تخصصات أخرى.
وزارة التعليم لم تهتم بهذه المشكلة على مدى عقود، وعلى الرغم من وجود بعض الحلول والمقترحات المطروحة إلا أنها تتعمد تهميش هذه المشكلة -بطالة الخريجين- ولو تمت دراسة تلك الحلول والمقترحات ومن ثم العمل بها لأسهم ذلك بشكل كبير في الحد من بطالة شباب وشابات المجتمع السعودي، الآن في مدارس تعليمنا العام (الحكومي) بالكاد تجد معلمات شابات ملمات باستراتيجيات التعليم الحديث والمتطور، معظمهن تجاوزن عقدهن الرابع أو الخامس، وهناك من وصلت عقدها السادس، وجزء كبير منهن من خريجات المعاهد الثانوية ومع ذلك تجدهن يدرسن طالبات في سنواتهن الأولى والأكثر عطشاً للحياة وأنشطتها.
هذه المسافة الواهية بين الفئتين المُعلمة والمتعلمة كبيرة جداً، وهي ليست من صالح طموح مستقبل ورؤية وطننا الشاب.
في مدارس كثيرة أعرفها، وقد وقفت على مثل هذه الحالات؛ المعلمة تعتذر لكبر سنها ومشاكل صحية في الركبة بأنها لا تستطيع الصعود مع الدرج للفصل الدراسي الذي يكون لديها حصة تعليمية، وتطلب من الطالبات النزول كل حصة إلى الفناء الخارجي -الحوش-، أو في مصلى المدرسة، أو في المكتبة التي تكون عادة في الدور الأول من مبنى المدرسة، ومن ثم تشرح درسها على طالباتها بشكل روتيني ممل، وبانتهاء الحصة تعيدهن إلى فصلهن وهكذا، وبالتأكيد لن تفعل ذلك في الحصة التي تحضر لها مشرفتها أو الموجهة من إدارة التوجيه والإرشاد التابعة لوزارة التعليم، ونماذج هذه الأستاذة كثيرة، ولا تكاد تخلو مدارسنا منها، وكل طالب وطالبة ومعلم ومعلمة يستطيعون ذكر هذه النماذج بالأسماء.
والبعض يعلل تمسك وزارة التعليم بمثل هذه النماذج بوجود عامل الخبرة، وربما الوفاء، ولا شك أن هؤلاء المعلمين والمعلمات درسوا أجيالا وقدموا جهدا وعلما وإخلاصا لا ينكره أحد، ولكن الأمر ليس عاطفة وإنما مستقبل أجيال، وأنا لا أعتقد أن الطالبات في هذا السن هن بحاجة إلى الخبرة أكثر من حاجتهن إلى حب الحياة والنشاط والحماس والابتكار.
نعم قد تكون معلمتهن الشابة هي الأولى بالخبرة، لذلك وجود المشرفة صاحبة الخبرة وإشرافها على المعلمة وإرشادها هو الأولى، إنما الطالبات في هذا السن هن بحاجة إلى معلمة شابة نشيطة تحب الحياة، يتعلمن منها عملية التغيير والتقدم التي لا حدود لها بالنسبة لهن، يتعلمن منها الإبداع والابتكار، تشجعهن على إطلاق الأفكار وخلق المبادرات، تشاركهن في الأعمال التطوعية القادرة على بناء شخصياتهن البناء السليم، وتعزيز طاقاتهن الإيجابية، وقوتهن في المجالات الصحيحة، واستغلال حماسهن الاستغلال الممتاز.
في كلمة لولي العهد سمو الأمير محمد بن سلمان قال فيها: ثروتنا التي لا تعادلها ثروة، شعب طموح معظمه من الشباب، هو فخر بلادنا وضمان مستقبلها بعون الله.
السؤال هنا: ماذا فعلت وزارة التعليم تجاه هؤلاء الشباب؟ بطالة بأرقام جنونية وفي زيادة مستمرة.
وكما هو الحال مع العنصر النسائي، كذلك الكادر التعليمي من الرجال، هناك عناصر أكثر كفاءة وأجدر من سيد أو سيدة تجاوزوا طاقة الشباب وأصبح التعليم لديهم عملا روتينيا، ولا يمتلكون من أساليب ومهارات التعليم الحديث أي مهارة.
لذا من أجل العمل على الحد من مشكلة البطالة واستثمار طاقة الشباب في بناء مجتمع فعال نشيط ومتقدم؛ التقاعد الإجباري للمعلمين والمعلمات كبار السن هو أنسب الحلول، وتحويل القياديين منهم إلى وزارة التوجيه والإرشاد للاستفادة من خبراتهم في الإشراف على معلمي ومعلمات الجيل الجديد.