كان هناك اعتقاد سائد بأن أدوات النظام الايراني في دول آسيا الوسطى مختلفة تماما عن أدواتها مع غرب آسيا.

الاعتقاد السائد كان يتمثل في أن هناك دعما إيرانيا للأقليات الشيعية في تلك الدول، ولكن التركيز الأكبر كان على القوة الناعمة، والمشتركات الثقافية واللغوية والتاريخية.

أيضا، ندرك جيدا المواقف المنزعجة من الدور الإيراني في تلك الدول، وفقدان الثقة في طهران، وأيضا مساعي التجنيد عبر المراكز الثقافية والمنح الدراسية، ونحو ذلك.

لكن الواقع أن الإشكال أعمق من ذلك بكثير، بل وقد فاجأت الحقائق التي كشفت مؤخرا عن جانب من جوانب العبث الإيراني في تلك الدول.

قبل أيام، بث التلفزيون الرسمي لدولة طاجيكستان التي تتحدث الفارسية -وإن كانت تكتب بالأبجدية الروسية- بث فيلما وثائقيا خطيرا عن تاريخ الدعم الإيراني للإرهاب في طاجيكستان، وتورُّط طهران في كثير من العمليات الإرهابية في البلاد منذ استقلالها، من ذلك تدريب بعض العناصر الإرهابية على السلاح، وتنفيذ الاغتيالات، واستهداف رجال الأمن والمثقفين، وتنفيذ الأجندة الإيرانية في الداخل الطاجيكي.

أيضا، يكشف هذا الفيلم الوثائقي حلقة جديدة من التنسيق بين النظام الإيراني وجماعة الإخوان المسلمين.

فكما يعلم الجميع أن حزب النهضة في طاجيكستان الذي تأسس عام 1973، مبنيّ على أفكار ومبادئ وأهداف تنظيم الإخوان المسلمين. وكانت هناك محاولة لاحتواء الحزب إلا أن ذلك لم ينجح على ما يبدو، فقد صَنّفت المحكمة العليا في طاجيكستان عام 2015 حزب النهضة الإسلامية منظمةً إرهابية، ومنعت كل أنشطته، واعترضت على استضافة إيران زعيم الحزب محيي الدين كبيري، خلال فعاليات ما يسمى مؤتمر الموحدة الإسلامية بطهران 2016، ولقائه المرشد الإيراني علي خامنئي.

كذلك، يتزامن الكشف عن التورط الإيراني في العبث بأمن واستقرار طاجيكستان مع تورط إيراني جديد في الجارة أفغانستان، فقد كشفت تقارير دولية تورُّطَ النظام الإيراني في تنفيذ عمليات إرهابية في الداخل الأفغاني.

تؤكد بعض المواقع الألمانية والأميركية أن «هناك قنوات مشتركة يتم خلالها نقل المعلومات والأموال، إضافة إلى تزويد الجماعات بالسلاح»، لا سيما أن هناك جناة إيرانيين، تم التعرف عليهم خلال عمليات إرهابية سابقة في أفغانستان.

وتشير هذه التقارير إلى عودة إيرانية قوية إلى الساحة الأفغانية من جديد، ولكن هذه المرة عبر حركة طالبان. فعلى سبيل المثال، بعد انفجار صهريج مياه الصرف الصحي أمام السفارة الألمانية في كابول في عملية انتحارية نفذها مجموعة من الإرهابيين، تداولت تقارير صحفية أن الصهريج المحمل بالمتفجرات كان يقف في مساء اليوم الذي سبق الحادثة في الشارع المجاور للسفارة الإيرانية، أي بمعنى آخر فإن من بين الجناة أحد الأعضاء التابعين لشبكة حقاني حسبما تشير التقارير، فهذه الشبكة من الجماعات المتطرفة التابعة لحركة طالبان، وتتلقى دعمها من إيران.

الجدير بالذكر هنا، أن أفغانستان ظلت مسرحا للنشاط الإيراني من دعم الإرهاب وتجارة المخدرات، وتقديم الدعم المالي واللوجيستي والاستخباراتي للتنظيمات الإرهابية النشطة هناك، علاوة على السماح للإرهابيين بالعبور عبر الأراضي الإيرانية من وإلى أفغانستان.

من يتابع تركيز النظام الإيراني على دعم الإرهاب، والعمل على زعزعة أمن واستقرار الدول، ومساعيها لتقويض الحكومات الشرعية، يجد أن القاسم المشترك في جميع هذه الأنشطة الإيرانية هو الحرس الثوري الإيراني، فهو يتولى التدريب والتأهيل والتمويل والتجنيد والتخطيط والإشراف على تنفيذ العمليات الإرهابية في الدول المستهدفة، والاستعانة في ذلك بتنظيمات مختلفة عقديا وفكريا، وبالتالي فإن أي جهود دولية لمواجهة الإرهاب الإيراني يجب أن تبدأ من استهداف العمود الفقري له، ممثلا في الحرس الثوري والميليشيات المرتبطة به، وما عدا ذلك فإن العمل سيكون مضيعة للوقت والجهد، في ظل تنامٍ خطير للنشاط الإيراني في القارة الآسيوية وخارجها.

وأخيرا، من الأهمية بمكان اتخاذ خطوات سريعة في هذا الصدد، في ظل قيام النظام الإيراني برفع المخصصات المالية السنوية للحرس الثوري، مما يعني عزمه على رفع وتيرة تدخلاته الخارجية، والاستمرار في سياسة العبث بأمن واستقرار الدول.