إنه لمن الجلي أن كل فئة عمرية لها خصائص لغوية تميزها عن الأخرى. كما ذكرت في مقال سابق عن ظاهرة الانسلاخ اللغوي لدى الشباب وموت اللغة العربية.
مقال اليوم عن فئة عمرية أفرادها وصلوا إلى النضوج ولكن لم يصلوا إلى الشيخوخة بعد، تحديداً من أواخر الثلاثين إلى الخمسين سنة، وقد يجاهد بعض من هم أصغر سناً لكي يثبتوا انتماءهم لمجموعة ما، فإن كانت هناك تفرقة في اللون فهنالك حتماً تفرقة لغوية. فيما نشهد ويمر على مسامعنا أشخاص من هذه الفئة العمرية ممن يتصنعون (الرجعية اللغوية)، فتصنع الرجعية غالباً ما يصاحب بنفسية وعقلية _تراني قديم_ فهؤلاء الأفراد لكلامهم أبعاد سيكولوجية ألا وهي ادعاء الخبرة والحكمة في محاولة محاكاة متكلفة لمن هم أكبر منهم سناً، فهم يتحدثون بهذه الطريقة مع من يصغرونهم سناً إلا أنهم يعودون إلى ضبط الموجة على التردد المعتاد والمتوقع عند الحديث مع شخص أكبر منهم سناً.
أيضاً ادعاء الأصالة و _ ريحة الطيبين _ التي افتقدناها في هذا الزمان قد يكون سببا من الأسباب وراء هذه الظاهرة. عزيزي (القديم أو من تهيأ له أنه منهم)، أنا لا أقصد الإساءة على الإطلاق، فيجب علينا أن نستثني من نشأ في بيئة مماثلة أو من لم يتلق العلم الكافي لكي يعرف النطق الصحيح لكلمة (شجرة)، حيث يستبدلون الشين بالسين، وهذه ليست من خصائص لهجة ما، إنما صوتيات (vernaculars) لها أبعاد طبقية وخلفية اجتماعية منتشرة في العديد من البلدان، فسوف نجد مثل هذه الأصوات في مناطق الأرياف في بعض الدول العربية الفقيرة وفي الأوساط الأميّة.
من الجدير بالذكر أن ما أطلقت عليه (الدروشة اللغوية) هي ظاهرة لم تدرس بعد من قبل اللغويين، وأنا أدعوهم إلى أن يتبنوا الظواهر التي تتخطى البعد اللغوي إلى النفسي، وهو فرع من فروع اللغويات يطلق عليه (اللغويات النفسية) (psycholinguistics)، والأصلح من ذلك تحقيق الدراسات في مختلف المجالات اللغوية بالتعاون والاستعانة بخبراء نفسيين، وهذا من شأنه فك العديد من شفرات العقل التي يصعب فهمها وتحليلها.