ما إن حطت الثورات «العربية» أوزارها، حتى سقط في وحلها من كانوا أبواقا ومزامير لها، فمن يقرأ سياسة قادة الثورات، ويسمع ألحانهم بتمجيد الثورة الخمينية، يعلم أن هذه الثورات مشبوهة، فالداعمون لها عجم، والمتقاتلون عرب، والدماء عربية تحت الشعار الذي تغنى به رموز هذه الثورات. «الثورة الخمينية كسرت ذلك القالب الذي سجنا فيه» وهذا يعود بنا إلى تاريخ 3/ 12/ 1406، في أول عملية للثورة الخمينية خارج إيران، حين تم إحباط «واحد وخمسين كيلو متفجرات» من مادة «c4» لاستخدامها في تفجير الأماكن المقدسة خلال الحج، وهذا يؤكد أن هدف هذه الثورات هو الوصول إلى أرض الحرمين عن طريق هؤلاء الثوار، بمساعدة كل من «إيران ــ تركيا ــ قطر»، فلماذا تقحم قطر نفسها في وحل العجم؟
في عام 1994، عقد في «إسطنبول» مؤتمر دولي يضم 40 وزيرا للخارجية والدفاع، لتقسيم الدول العربية تحت اسم الحرية، وخرج إردوغان عام 2004 بتصريحه في إحدى المقابلات التلفزيونية، وهو يقول «طبعا أنا أنظر إلى ديار بكر على نحو مختلف للشرق الأوسط الجديد. يمكن أن تكون ديار بكر مركزا مهما في هذا المشروع».
وفي خطاب ألقاه أمام حزبه عام 2006 يقول «تركيا لها مهمة، فما هذه المهمة؟: نحن عرّابو الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الجديد، ونحن نقوم بهذه المهمة«، وفي أكتوبر عام 2009 يؤكد أنه ماض إلى تنفيذ المخطط، وذلك في خطابه الذي ألقاه، إذ يقول:»زملائي الأعزاء، أهداف الشرق الوسط الجديدة محددة، وضمن هذه الأهداف التي أوكلت لتركيا محددة«. فتهافت إلى تركيا من قالوا إنهم مصلحون، جماعات وأفرادا، ليلقوا مواعظهم من جبال بلاد الترك إلى أبناء الجزيرة العربية، وكأنهم يقولون: إن تركيا مهد الأنبياء ومنبع رسالة سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- وإنها خلافة قادمة من تركيا.
من هنا نقول لهم، إنكم تائهون في بحور الأحلام البعيدة، وسائرون في طريق كله سراب، فالعرب لهم قصة مع الحكم التركي الذي أعاد البلاد العربية إلى عصور الظلام والجهل والفقر، فلا مدارس ولا مستشفيات، ولا دين ولا دنيا، بل تم إعادة إعمار الأضرحة والقبور، وتمدد الصوفية النقشبندية والمولوية، وسلب الناس أرزاقهم والذهاب بها إلى»إسطنبول»، مما جعل العرب يثورون عليهم ويخرجونهم من ديارهم، لتحل مكانهم امبراطوية المملكة العربية السعودية، من أطراف الحجاز جنوبا حتى تبوك شمالا، ومن البحر الأحمر غربا إلى بحر الخليج العربي شمالا، فبُنيت المدارس والمستشفيات، وعُبدت الطرق، ولا يوجد بيتٌ إلا وفيه دكتور أو طبيب أو جامعي، بل إن بعض الأسر كلها تحمل الشهادة الجامعية، واختفى الظلام وسطع النور، واستبدل الجهل بالعلم، والمرض بالصحة، والدواب بالسيارات والطائرات، فشتان بين ماض أسود وحاضر مشرق.
فالمقصود، ماذا يريد العرب المتأتركون؟ إن لم تعجبهم أرض الرسالة المحمدية، ولم يشبعوا من نعيم خيرات هذا الوطن، فالطريق أمامهم ليرحلوا إلى حيث قبلتهم بلاد الترك والفرس، وليأتونا حجاجا ومعتمرين، فالوطن لا يقبل من كان في قلبهم غِلّ أو خيانة.