لأننا شعوب نؤمن بالشعارات ونحب «المفرقعات»، أصبح «هياطنا» مضرب المثل بين الشعوب، إذ أدت ثقافة «الأنا» العربية إلى ظهور جيل يمتهن الكذب وتضخيم الأحداث، للوصول إلى مكانة مؤقتة، وتحقيق مكاسب غير دائمة.
والظاهرة الصوتية التي أطلق مصطلحها الأديب الراحل عبدالله القصيمي، في كتابه الشهير «العرب ظاهرة صوتية»، موجودة عند العرب منذ قديم الزمان بقصص الفروسية وقصائد الفخر والمجد، ولكن المؤلم في الأمر أنه تحول إلى المجال الطبي المسؤول عن حياة كثير من البشر، والذي يتطلب مصداقية عالية.
تعددت الطرق وما زالت الظاهرة الصوتية واحدة، ومن أشهر الطرق الحالية هي الأخبار الملفقة، إذ نقرأ يوميا أخبارا لا تُغني ولا تسمن من جوع، مثل حصول مبتعث سعودي على جائزة متفردة، وأن «فلتة الزمان» تتنافس عليه الجامعات ومراكز الأبحاث العالمية، وما هي إلَّا أشهُر حتى نجد أن «الفلتة» يتخرج بتقدير مقبول مع مرتبة «الشرف» الأخيرة.
نقرأ عن الاختراعات والاكتشافات الكبيرة، ونتفاعل ونرقص فرحا، ثم نكتشف أنها جعجعة دون طحين، وصوت طبل فارغ.
ومن المظاهر الملاحظة أيضا، وجود بعض الإعلانات الطبية الشاذة التي نراها عن خبير متخصص في طقطقة الأصابع، أو الإيحاء البيولوجي وطب الطاقة، أو بالإبر القادمة من بلاد ما وراء النهرين، وللأسف يعشق كثير من الناس الأشياء الغريبة والظواهر الخارقة، حتى أدمن البعض «خلطات» العطّارين، و«حليب» الحمير، و«سعابيل» القراء، و«تمتمات» المشعوذين.
ومن مظاهر الإنجازات المبتذلة، ظاهرة شراء الشهادات العلمية أو الادّعاء بوجودها دون سند أو دليل، وتعدّ معول هدم يهدد المسيرة العلمية السعودية، وللأسف، قرأنا عن وجود مئات الأسماء السعودية، وبعضهم شخصيات معروفة عند انكشاف بعض الجامعات الوهمية في فضائح من «النوع الثقيل» مرت مرور الكرام، دون حساب أو عقاب.
ويشير تقرير منشور في صحيفة سبق عام 2015 إلى أكثر من 620 موظفا يعملون في قطاعات حكومية، منها وظائف قيادية، يحملون شهادات غير معتمدة، وأشارت كثير من الصحف عام 2013 إلى خبر إلقاء القبض على مزور الشهادات الشهير بمنطقة القصيم، والذي باع ما يقارب 16 ألف شهادة جامعية، ويبلغ سعر شهادة الدكتوراة 50 ألف ريال، ورغم انتشار هذه الظاهرة التي من الصعب اقتحام عالمها السرّي والمافيا المعلوماتية، ومعرفة الرقم الصحيح لهذه الظاهرة المؤذية، استطاع الدكتور الشجاع «موافق الرويلي» حشد كثير من المؤيدين في وسمه الشهير «هلكوني» المطالِب بتجريم هذه الظاهرة، مما أدى إلى استصدار قرار من مجلس الشورى لمكافحة الشهادات الوهمية.
وجود هيئات متخصصة لمعادلة الشهادات مطلبٌ مُلحّ وعاجل، فالهيئة السعودية للتخصصات الصحية والهيئة السعودية للمهندسين، تقومان بجهد عظيم لمحاربة هذه الظاهرة، ولكن ما زالت كثير من التخصصات الأخرى بحاجة إلى بعض الإجراءات، منها:
1. إنشاء المركز الوطني لمعادلة الشهادات تحت إشراف وزارة التعليم العالي
2. تجريم استخدام الدرجات العلمية دون توثيق
3. محاسبة من استفاد من درجته العلمية غير الصحيحة بأثر رجعي
هناك كثير من النماذج المشرقة في وطننا الغالي، من مبدعين وعلماء ومفكرين نفخر بوجودهم، وبما قدموه دون ضجيج، ونقول لهم شكرا من القلب.