تتحمل وزارة التعليم مسؤولية كبيرة وجسيمة في إدارة دفة القاعدة الأساسية لهرم التنمية الوطني بمؤسساته وبموارده البشرية، وذلك من خلال دورها المسؤول في عملية البناء الصحيح للهيكل المعرفي والسلوكي والقيمي لمواردنا البشرية كفاءة وتأهيلاً، وبما يمكنهم من إدارة مؤسساتنا وقيادتها في مسارها الصحيح، الذي يمكن به تحقيق مستهدفاتنا التعليمية والوطنية في نموذجها التنموي المتكامل، إذ إن أهدافنا التعليمية وسياساتنا وما يلحق بها من إجراءات وبرامج ونُظم لا بد وأن تعكس فلسفتنا التعليمية ومبادئنا الوطنية ورؤيتنا الاستراتيجية التي نرجو تحقيقها في نموذجنا الوطني المستهدف، والذي يتبلور من خلال مخرجاتها التي تمثل القاعدة البشرية التي تقوم بقيادة وإدارة كافة مؤسسات الدولة وليس التعليم فقط، فمن الجامعات يتخرج المهندس والطبيب والأستاذ الجامعي والمعلم والإداري والقانوني ورجل الدين والمحاسب...الخ وبهم تبُنى الأوطان ومن خلالهم نرتقي وننافس الأمم في سباق التنمية البشرية الذي تجني ثماره الأوطان وشعوبها تتويجاً لجهود ناجحة بناءة.

وحيث إن وزارة التعليم مسؤولة عن جميع ما تتضمنه المنظومة التعليمية من هيكل مؤسسي وإداري وبشري، وما يتضمنه ذلك جميعه من تشريعات وآليات وقوانين مختلفة تنظمه وتحكمه في مسيرته الوطنية، بما يستهدف تحقيق رؤى الدولة وتطلعات مواطنيها، فإنها مسؤولة بالتالي عن جميع ما يتعلق بالمؤسسات التعليمية التي تحتويها تحت مظلتها سواء في التعليم العام أو التعليم العالي، وما يتصل بالابتعاث الداخلي أو الخارجي، فهي مسؤولة عن مستوى الإنجازات وجودة المخرجات، كما أنها مسؤولة عن الإخفاقات وضعف المخرجات، ويضاف إلى ذلك جميع الإشكالات التي تتعلق بالعملية التعليمية، أداء وإدارة وسياسة ونظاماً وتطبيقاً وما ينجم عن ذلك من إفرازات مختلفة لسلوكيات وعلوم يحصدها المجتمع بكافة قطاعاته، بما يترجم واقعنا التعليمي ويقيمه ميدانياً من خلال مستوى الإنجازات وجودتها أو حجم الإخفاقات وتبعاتها على مسيرة التنمية الوطنية.

 وقد اهتمت القيادة بالتعليم منذ بدايات تأسيس الدولة السعودية، إدراكاً منها لأهميته في بناء القاعدة البشرية الوطنية التي ترتكز عليها سائر القطاعات الأخرى، وتخلل ذلك سياسات تطويرية تمت على مراحل زمنية لتواكب مسيرة التنمية بمتغيراتها المختلفة، والتي كان آخرها مشروع الملك عبدالله لتطوير التعليم، وما تضمنه من مستهدفات لتحقيق الجودة والنوعية في إعداد الطلاب والطالبات ليصبحوا قادرين على التعامل مع متغيرات العصر بصورة إيجابية، من خلال مكتسباتهم لمهارات ومعارف القرن الحادي والعشرين، مع المحافظة على قيم ومبادئ المجتمع السعودي، فقد تبنى المشروع إنشاء مجموعة من المبادرات واهتم بتطوير العديد من المشروعات والبرامج النوعية التي تمثل مرتكزات أساسية للنهوض بالتعليم بما يحقق رؤيتنا الاستراتيجية لتطوير التعليم في جميع مضامينه البشرية والتربوية والإدارية والمادية وغيره، والذي أهَل المشروع لأن يكون نموذجاً مجُسِداً لما تستهدفه القيادة وما تقدمه من دعم سخي للارتقاء بمنظومة التعليم في جميع مسارتها ومسؤولياتها، وذلك استشعاراً منها لمسؤولية التعليم ودوره الأساس في بناء المجتمع والاقتصاد المعرفي، بما يسهم في الوصول بالمملكة إلى مصاف الدول المتقدمة من خلال تمكينها لمواردها البشرية المؤهلة.

 ولكن على الرغم من تلك الجهود الحثيثة والتطلعات الطموحة نحو تطوير التعليم والنهوض به، إلا أننا نقف أسفاً وحسرة على ما تبادرنا به وسائل الإعلام المختلفة بين الحين والآخر عن الكثير من القضايا والإشكالات المنسوبة لوزارة التعليم قيادة ومنهجاً، بما يشير إلى أن ما يُسجَل من خطط ومبادرات وبرامج تطويرية لوزارة التعليم وما تحتويه في منظومتها وتحت مظلتها المؤسسية، ما زال طي الأدراج ولم يُفعَّل بعد، بل وإن الكثير من السلبيات فيما تحتويه المنظومة التعليمية، إنما يؤكد أن وزارة التعليم تفتقر إلى المنهج الإداري والتربوي والعلمي في إدارة منظومتها ومؤسساتها التعليمية، سواء في التعليم العام أو التعليم العالي، والذي يرتبط بالعديد من القضايا التي تظهر على السطح ما بين الفينة والأخرى، والتي منها تخبط وتناقض التصريحات والسياسات والإجراءات التابعة لها بخصوص العجز والفائض في مواردها البشرية، والخلل الذي تعاني منه في الآلية المتبعة في إجراءات التعاقد الخارجي والداخلي والتي تفتقر إلى أبسط قواعد المهنية العلمية المطلوبة، سواء في مصداقية وموثوقية المؤهلات لمنسوبيها واستشعار مدى تأثير ذلك على جودة المخرجات، أو في تفعيل التوطين للمؤهلات العلمية الجديرة بالوظائف التعليمية في الجامعات، بل وأثبتت الأحداث العديد من الحالات الدخيلة على مستوى التعليم العالي سواء بمستوى مؤهلاتها ومصادرها أو بآلية التعاقد معها، هذا بالإضافة إلى الضعف في إدارة ومعالجة ملف الابتعاث الداخلي والخارجي وما ينجم عنه من إشكاليات تعطل الاستفادة بمواردنا البشرية، وحيث إنه لا يمكن مناقشة جميع تلك الإخفاقات وغيرها في عُجالة فإننا سنكتفي بالتعرض للقضية الأهم على الصعيد الوطني، في ظل العديد من الإشكالات التي تواجه مسيرتنا الوطنية في بناء جيل واعد يتحمل أعباء تحقيق أهدافنا المستقبلية.

 لقد تكفلت وزارة التعليم بدفع رسوم الجامعات الخاصة لأبنائنا وبناتنا المبتعثين داخلياً أُسوة بإخوانهم المبتعثين خارجياً، وذلك كجزء من تنفيذ مستهدفات استراتيجية تربوية وطنية بتطوير مواردنا البشرية وتأهيلها، لعدم إمكانية قبول كثير من خريجي الثانوية العامة ضمن الجامعات الحكومية، فكان الخيار دعم تعليم أبنائنا داخلياً، بتحمل الوزارة دفع الرسوم المستحقة للجامعات الخاصة، بالإضافة إلى ما تجده تلك من دعم رسمي، والذي دفع بالقطاع الخاص إلى التوجه نحو إنشاء الجامعات الخاصة أو الكليات كمشاريع استثمارية تجارية (معظمها) دون اعتبار للتقيد والالتزام بمعايير علمية نوعاً وجودة في أدائها وبالتالي في مخرجاتها، والمبني على مسؤولية وزارة التعليم بوضعه كضوابط علمية محددة، وبها تكفل جودة المخرجات، وتقوم بالإشراف عليها ومتابعة تنفيذها بشكل دوري ومستمر بما يضمن مخرجات توازي المخرجات الحكومية المتميزة، أما أن يتخرج طلاب الطب من الجامعات الخاصة داخلياً، ومن المبتعثين خارجياً وتحرمهم الوزارة فجأة من مكافآتهم ورواتبهم في مرحلة الامتياز التي تؤهلهم للتخصص والإنجاز، بدعوى أن الدولة غير مسؤولة عنهم! وهل يُعقل أن تتخلى الوزارة عن مسؤوليتها وتنسحب من المشهد بهذه البساطة والارتجالية دون إدراك لحجم المسؤولية والخسارة الوطنية التي تترتب على هكذا سياسات وإجراءات؟! وباستشعار ما نعانيه من نقص كبير في كوادرنا الصحية المواطنة، فإنه من البديهي أن تكون سياستنا مدروسة وإجراءاتنا حكيمة في احتواء تلك المخرجات، بعد أن بذلنا المال لتمكينها باستكمال مسيرتها التعليمية والتخصصية، حتى وإن تطلب ذلك التعاون مع وزارة الصحة في ذلك الشأن بعد أن وصل الطلاب لمرحلة الامتياز، إذ إن معالجة ضعف التخطيط وغياب الضوابط والمتابعة من الوزارة للتعليم الخاص داخلياً أو خارجياً كذلك لا يتحمله الطلاب بعد تخرجهم، وإنما تتحمله وزارة التعليم بموافقتها ودعمها لدراستهم بدايةً، فهي المعنية والمسؤولة عن ذلك الضعف في المخرجات لغياب ضوابطها الحاكمة لذلك، فعليها إدارة هكذا مخرجات بالتأهيل النوعي المضاف لتحسين الجودة واستكمال التأهيل، بالتعاون مع الجامعات المتميزة ووزارة الصحة التي ستكون الجهة التي ستحتويهم مستقبلاً وليكونوا استثمارها الوطني.

 وإذا لم يتم ضبط منظومة التعليم بكافة مؤسساتها ومحتواها وفق ضوابط علمية ومعايير محددة يمكن قياسها من خلال مؤشرات مختلفة تناسب جميع مضامينها من سياسات وبرامج مختلفة تتعلق بالنظام الإداري والكادر التعليمي والمناهج التربوية والبيئة التعليمية الملائمة، وبما يمكن به ضبط أداء ذلك جميعه علمياً وتقييم مخرجاته مهنياً وتربوياً؛ وعليه تجري المساءلة والمحاسبة على مستوى الإنجازات والإخفاقات معاً، فإنه لا يمكننا أن ننهض بالتعليم ومخرجاته، كما لا يمكننا تنظيم وتطوير مؤسساتنا التعليمية على اختلاف مستوياتها، بل ستتراكم السلبيات والإخفاقات تباعاً. وختاماً فالحاجة ماسة لهيئة عليا مستقلة عن الوزارة تتبعها لجان متخصصة تتولى مسؤولية «تقويم التعليم» بمختلف مستوياته ومخرجاته ومضامينه، بحيث تتشكل من النخبة التعليمية والتربوية والإدارية ومن المستشارين المتخصصين، ولا يمنع ذلك من الاستفادة من تجارب الدول التي عالجت إشكاليات كهذه، وارتقت بالتعليم ومخرجاته بما ساهم في تحقيق نهضتها التنموية ومسيرتها الوطنية المأمولة.