يقول المفكر والأستاذ الجامعي الدكتور محمد الرميحي في تحليله لخطاب الأزمة مع قطر بالأمس: «هناك قوى وأحزاب وأفراد لا وظيفة لها مع الأزمات سوى الرقص، ثم وجدت في الأزمة الخليجية ضالتها لممارسة الرقص المحرم». أكثر ما أخشاه وأنا أكتب تعليقي على هذه الجملة المختصرة من فم هذا العملاق الكويتي، ليس إلا أن يشملني ذات التوصيف، إن قلت إن هذه الجوقة التي ذكرها لم تكتف باحتلال قطر فحسب بل حولت هذا البلد الشقيق الغالي إلى «ملهى كلامي».
كنا، شعوب الخليج والجزيرة، فيما مضى نكره خطاب الاستعلاء والفوقية الذي نسمعه من عرب الشمال، ومن الشام ولبنان وفلسطين، فأضافت قطر إليه، سامحها الله، أبواق «إخوان» البذاءة من مصر بالتحديد. هؤلاء، وعبر الجزيرة الفضائية حولوا الدوحة إلى مستنقع لبذاءة الكلمة. وأنا للحق وللتاريخ، لن أقول بنفي وجود أبواق بذاءة
في المعسكر المقابل، فهواة الرقص المحرم ومحترفوه موجودون مع كل أزمة. ورغم هذا فلو أن أزمة الخطاب السائد المتفرع من الأزمة السياسية الكبرى الأصل تُركت ما بين الطرفين القطري/ الخليجي، لما وصلت بذاءة
هذا القاموس إلى الحضيض الذي تسبح فيه وتغتسل.
هذه الأزمة وعبر خطابها الثقافي والإعلامي لم تكشف لنا شيئاً بمثل ما كشفت هشاشة البنية الثقافية وركاكة الاستثمار في العقل القطري، وأنا هنا أقصد المواطن القطري الأصل. وفي أكبر أزمة وجودية في حياة قطر لم تستطع «أم المليارات» السائلة من عقول أبنائها الأصل أن تدفع لساحة المنازلة سوى خمسة قطريين، وهنا أتحدى أن يأتي أحدكم لهم بسادس: عبدالله العذبة ومعه أربعة آخرون، وهذا هو كل الحصاد الثقافي والتعليمي القطري.
هذا هو الفقر الحقيقي الذي يجب أن تنتبه إليه هذه الدوحة الغالية بعد أن تعبر الأزمة وتنتهي. عليها أن تعلم تماماً أن بناء وزارة للتعليم للاستثمار في المواطن أهم ألف مرة وأصعب مليار مرة أخرى من بناء قناة فضائية. عليها أن تقرأ العبرة التاريخية من أن الوافد الذي يدافع اليوم عن الدوحة في هذه القناة ليس إلا محترف رقص سيذهب فوراً إلى الخندق المقابل إذا ما دفع له أكثر. على هذه الدوحة الغالية أن تقرأ ولو حتى جماليات الشاشة في هذه القناة التي اكتفت للمواطن القطري الأصل بقراءة نشرات الطقس وأخبار الرياضة، وهي معذورة تماماً لأن هذا أعلى قدراته التحليلية وسقف استثمار دولته في بناء عقله. وأرجو ألا يقول أحدكم إن ذلك يحدث في قطر بسبب حجم السكان لأنه تبرير منقوص بشواهد البحرين والكويت اللتين تمتلكان بنى ثقافية وفكرية ضخمة ومدهشة. حتى اليمن الفقير بموارده برهن عن نخب ثقافية سرقت ألباب العرب جميعاً منذ اليوم الأول لأزمته الطاحنة.