تنشط في إسرائيل منظمات حقوقية توصف بأنها «يسارية»، وهي في الواقع تنظيمات خارجة عن قانون المحتل، من أهمها المنظمات التالية: «بتسيلم»؛ جمعية حقوق المواطن؛ «يكسرون الصمت»؛ مركز عدالة؛ «يش دين»؛ «هموكيد»؛ «اللجنة الشعبية ضد التعذيب»، «بمكوم»؛ «امنستي الدولية – فرع إسرائيل»؛ «حاخامات لحقوق الإنسان»؛ «غيشاه»، «محسوم ووتش»؛ «سيحاه مكوميت»، «مدينة الشعوب»؛ «اللجنة ضد هدم البيوت»؛ «زوخروت»؛ «تحالف النساء من أجل السلام»، و»من يربح من الاحتلال».
وعادة، توجه تلك المنظمات انتقادات تصل إلى حد اتهام جنرالات وجنود بارتكاب انتهاكات وجرائم حرب ضد الفلسطينيين. وتحذّر من استخدام الجيش لرصاص «توتو» الذي يعرّض حياة البشر للخطر لتفريق المظاهرات. وتعبّر عن قلقها الشديد إزاء قرارات الحكومة باستخدام القناصة ضد راشقي الحجارة.
كما قامت بنشر تقارير حول عمليات التعذيب وسياسة إطلاق الرصاص بأيدي القوات الإسرائيلية، وفرض القيود حول حرية التنقل وغيرها من التقارير. ومن بين المواضيع التي تعنى بها: تطبيق القانون على مواطنين إسرائيليين وعلى رجال قوات الأمن الإسرائيلي في الضفة الغربية حول المخالفات التي تم ارتكابها ضد الفلسطينيين وممتلكاتهم؛ وخرق حقوق الإنسان ذات الصلة باستعمال أراض فلسطينية؛ واحترام حقوق الإنسان في المحاكم العسكرية الإسرائيلية في الضفة الغربية. والقوانين والأنظمة الإسرائيلية والحكم العسكري، اتفاقيات دولية، اعتراضات ودعاوى تعويضات لمحكمة العدل العليا الإسرائيلية، وقرارات مختلفة لمحاكم من إسرائيل ومن خارج إسرائيل. وتناضل ضد استخدام التعذيب بالتحقيقات داخل إسرائيل وبمناطق السلطة الفلسطينية. والقتل دون محاكمة، وأيضاً ضد الاعتقال التعسفي والحبس الانفرادي.
بالمقابل، ترعى منظمات اليمين الصهيوني المتطرفة ظاهرة فاشية ومكارثية، ومنها: «العاد»؛ «رجابيم»؛ «لجنة مستوطني السامرة» وحركة تدعى «ام ترتسو»، المختصة برصد ومراقبة الجامعات والجمعيات الإسرائيلية اليسارية في إسرائيل. التي أصدرت تقريراً عام 2016 نشرته، تحت عنوان «تقرير المزروعين 2015»، جاء فيه هناك «تنظيمات إسرائيلية ينظر إليها المجتمع كتنظيمات يسارية، أو تنظيمات لحقوق الإنسان، لكنها ليست كذلك». وينعتها بـ»تنظيمات مزروعة وتنظيمات دعائية سياسية تعمل في الداخل بتمويل أجنبي واسع ضد المجتمع الإسرائيلي وضد جنود الجيش الإسرائيلي وضد قدرات الدولة على حماية نفسها في الحرب ضد الإرهاب».
وتحصل حركة «إم ترتسو» اليمينية على تمويل من جمعيات تابعة لمنظمة «أمناة»- الذراع الاستيطاني للمجلس الاستيطاتي «ييشع» في الضفة الغربية. ومن «الصندوق المركزي لإسرائيل».
وحسب تقرير «ام ترتسو» فإن العامل المشترك لغالبية التنظيمات «اليسارية»، باستثناء التمويل الأجنبي، هو «الغلاف الصوري والمالي» الذي يوفره لها التنظيم الأميركي الذي يدعى «الصندوق الجديد لإسرائيل».
ومن بين 20 جمعية ذكرها تقرير «ام ترتسو» تحظى 15 منها بدعم هذا الصندوق، ومن بينها أربع جمعيات دافعت عن منفذي العمليات الفلسطينية أو عائلاتهم قانونيا. وإن تنظيما فلسطينيا يدعى الصندوق الفلسطيني «دائرة حقوق الإنسان والقانون الدولي» في رام الله، يمول نشاطات حركة «يكسرون الصمت»، بل قام بتمويل نشاط لحركة «بتسيلم».
وقد طالب رونين شوفال، رئيس المجلس الأكاديمي للسياسة القومية وأحد مؤسسي «ام ترتسو» بحظر جمعية «يكسرون الصمت»، لأنها تهدر دم الجنود، وتعمل بشكل حثيث من أجل نزع شرعية إسرائيل على الحلبات الدولية. وفرض قانون يقضي بضرورة التبليغ عن «المزروعين» ومنع التعاون بينهم وبين مكاتب الحكومة والجيش، ويمنح للجهات الرسمية وللجمهور أدوات لمواجهة «النيل من الديمقراطية ودفع نزع شرعية إسرائيل من الداخل من قبل جهات ممولة من كيانات سياسية أجنبية». وفرض غرامة قيمتها 100 ألف شيكل على كل تنظيم «مزروع» يخرق واجب التبليغ عن مصادر تمويله.
وبخلاف كافة وسائل الإعلام الإسرائيلية شاركت صحيفة «هآرتس» في الدفاع عن «يكسرون الصمت». وقالت في إحدى افتتاحياتها إنها «تواجه الآن حملة لتعريفها كتنظيم إرهابي. كما نوهت إلى اتساع الحملة على منظمات أخرى، وذكرت أن تنظيم «بتسيلم» الذي يوثق للاعتداءات على الفلسطينيين من قبل الإسرائيليين ولمخالفات السلطة ضد الجمهور الخاضع للاحتلال، بات يعتبر تنظيما «خائنا». وبلغة تهكمية انتقدت الهجوم على المنظمات الحقوقية بقولها «حركات حقوق الإنسان، الإسرائيلية والعربية، تعتبر زائدة في أفضل الحالات، وتتآمر على قيام دولة إسرائيل في الحالات الاعتيادية».
ورأت «هآرتس» أن إسرائيل تغوص بسرعة نحو قعر المستنقع الذي تغوص فيه الدول المظلمة. وأضافت «قادتها يتبنون جنون الارتياب الذي يميز قادة الدول الطاغية. هؤلاء القادة، مثل أقرانهم الإسرائيليين، لا يخافون على حقوق الإنسان، وإنما يؤمنون بأن إخفاء الحقيقة سيساعد في الحفاظ على الاسم الجيد لدولتهم. وخلصت إلى القول إنه حسب نهجهم فإن ملاحقة التنظيمات وكم أفواهها سيخفي موبقاتهم. هذا هو مفهوم «دولة القفص المحكم الإغلاق»، التي ترى أنه لا يجب تحطيم الجمعيات والتنظيمات فحسب، وإنما يجب أن تخرس وسائل الإعلام، أو تتحول إلى بوق للدولة».
وانتصرت عضو الكنيست تمار زندبيرغ «ميرتس» لـ «يكسرون الصمت»، ووصفتها في بيان لها بأنها منظمة حيوية للديمقراطية، ومن أجل القيم الإنسانية والعدالة، مؤكدة عدم إمكانية أن يكون الجيش مقدسا في دولة ديمقراطية، وهو ليس محصنا عن الانتقاد.
ولا شك أن كشف «يكسرون الصمت» عن عمليات قتل المدنيين الفلسطينيين والاعتداء على أملاكهم ومصادرة حقوقهم يزيد الدعاية الإسرائيلية عبثية ويذكّر بجهات إسرائيلية يقل عددها مع الوقت ويرتفع صوتها وهي تصرخ بأن تبييض وجه إسرائيل القبيح مع وجود احتلال مثله مثل تحلية البحر الميت بملعقة سكر.