كأن الألم والوجع الذي يمر به محارب السرطان لا يكفي، ليحكم عليه كائن عديم الضمير بالإعدام، حين يقرر أن حياته انتهت، أو يحرمه من أمل الشفاء بمنع الدواء الذي يخفف آلامه، واستبداله بدواء فاسد ليعجل نهايته.

دوت فضيحة في مستشفى رفيق الحريري في لبنان منذ أكثر من ثمان سنوات، تورط فيها أكثر من 20 شخصا مع شبكة من تجار الأدوية الفاسدة، على رأسهم رئيسة قسم الصيدلية، والتي أُثبت حسب الأخبار المتداولة أنها كانت تستبدل أدوية مرضى السرطان التابعة لوزارة الصحة اللبنانية بأدوية فاسدة منتهية الصلاحية، اشترتها من تاجر أدوية عديم الضمير أدخلها إلى لبنان في 2008 من الهند، حيث اشترت منه العبوة الواحدة بسعر 300 ألف ليرة، أي ما يعادل 199 دولارا، واستبدلتها بعبوات من مستودع المستشفى، لتبيع العبوات الأصلية فيما بعد مقابل 5 ملايين ليرة، أي ما يقارب (ثلاثة آلاف دولار)، متواطئة مع بقية المتورطين في نفس المستشفى، بالتلاعب في النظام الآلي المسؤول عن مراقبة مخزون مستودع الأدوية.

أوقف المستشفى المتهمة عن العمل أثناء التحقيقات بسبب غضب الأهالي، ولكن لم يقبض عليها، مما جعل الناس تتأكد بأن هناك نوعا من الحماية تحظى بها، ساعدتها على البقاء في وظيفتها لمدة خمس سنوات حتى بعد اكتشاف تورطها وقبيل مغادرتها لبنان.

وعلى الرغم من ذلك الغضب العارم الذي انتاب أسر الضحايا والمتضررين. كانت أحداث هذه القضية تتحرك ببطء شديد جداً، حيث بدأت الهيئة العليا للتأديب عملها في ملف القضية في 2014، وفي 2015 بدأت المحكمة سلسلة من الجلسات، تعمدت فيها المتهمة بالتغيب بشكل ملحوظ. وفي 2017 أصدر رئيس الهيئة عقوبة عزلها عن العمل فقط.

والفضيحة لا تكمن في غش أدوية السرطان فقط، بل إن إدخال هذه النوعية من الأدوية بالذات يحتاج إلى توقيع وزير، فإن كان أحد الوزراء متورطا معها في هذه الجريمة، أو كان السبب وراء عدم سجنها في لبنان، فهذا من شأنهم، ما يهمنا أنها غادرت لبنان دون أن يتحرك القضاء لإيقافها، لتحط في بلد آخر قد ترمي فيه أذاها، أو تخرج منها كما الشعرة من العجين.

طار ذلك الغضب الذي كان يلاحق الصيدلانية من لبنان إلى السعودية الأسبوع الماضي، بعد أن تم تحديد موقعها الجديد في جامعة الحدود الشمالية في السعودية، في وظيفة أستاذ مساعد في كلية الصيدلة قسم الصيدلة السريرية (الإكلينيكية)، والحقيقة لم استغرب كثيراً حين قرأت اسمها ضمن هيئة التدريس في موقع الجامعة، مع أن الموضوع برمته إن صحت أخبار التحقيق والاستقدام يعد كارثة كبيرة، لم تكشف فقط عن حجم الخلل في الثقة العمياء التي تُمنح للوافد، بل في نظام وآلية التوظيف في تلك الجامعة، وضعف جودة التوظيف من الخارج التي تتبعها الجامعات بأكملها.

وتلك الصيدلانية لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة في مسلسل الاستغفال، الذي يقوم به بعض الوافدين الذين تلاحقهم التهم والقضايا، والذين يتعمدون التخفي في دول الخليج، التي لا يكترث بعضها في البحث عن ماضيهم الملتبس، بل حين تقترب السلطات الأمنية في بلدانهم من تحديد مواقعهم، يتحركون إلى بلد خليجي آخر وهكذا، المشكلة في قضية الصيدلانية، أن الجامعة أثبتت أنها لم تبحث ولم تحقق في تاريخها، ولم تتكلف بتجربة اسمها

حتى على محرك جوجل، قبل أن تسلمها مسؤولية تعليم جيل بأكمله، بل نفس الثقة العمياء التي سبق أن أعطاها كثير من قطاعاتنا لأطباء ومهندسين بشهادات وهمية مازالت تتكرر، وفي حال كان للجامعة رأي آخر ننتظر أن تصدر بيانا يوضح الملابسات.

وربما يتذكر البعض مثلي، قضية الجراح السوداني الذي ظل يعمل في مستشفى خاص بعسير، دون أن يكتشف المسؤول إلا في النهاية أنه اُستقدم للعمل بالمملكة بمهنة مُليس، والحلاق الهندي الذي استمر بالعمل كطبيب لمدة 20 سنة بشهادة مزورة، واستشاري التخدير المصري الذي عُين كرئيس لقسم التخدير في مستشفى الولادة والأطفال في الدمام بوثيقتين مزورتين، وحين اكتشف الناس تاريخه هرب من المملكة بكل بساطة بسبب التأخير

في عملية الإبلاغ عنه!

لسنا ضد عمل الوافدين بنسب محددة وتخصصات موثوق منها، بل ضد فوضى الاستقدام غير المبرر الذي انتشر في البلد، ونحن نعرف جيداً أن لدينا أفضل الكوادر التي شهد لها العالم، ودرست وتدربت في أفضل الجامعات العالمية. نحن ضد فئة العمالة والموظفين الذين ندربهم على العمل، ثم يضعهم بعض المديرين وأصحاب العمل رؤساء علينا ليتحكموا في مصيرنا، ويضعوا استراتيجية تضمن مستقبلهم في بلادنا. نحن ضد إعطاء الثقة العمياء للأجانب والشركات الأجنبية، دون عمل تحقيق ومسح أمني عن تاريخهم المهني في بلدانهم والبلاد المجاورة، مثل شركة الأدوية التي تمت تزكيتها من قبل عديمي الضمير، وكادت تحصل على ترخيص للعمل في المملكة، لولا يقظة أبناء وطني النبلاء، نحن ضد التعزيز لشركات سيئة السمعة التي أثرت على دول عربية حولنا بتوصياتها، وتملصت من المسؤولية بكل بساطة، نحن ضد استقدام الخارجين عن القانون، والتبرير فيما بعد بأن هذا لم يكن سوى خطأ فردي.